
تبارك عبد المجيد
عدسة: محمود رؤوف
تمر صناعة الكتاب برحلة فنية ومعرفية تبدأ من ملف خام وتنتهي بغلاف يروي روح النص قبل قراءته. وبين التحرير والتصميم وبناء الهوية البصرية، تعمل دور النشر على تقديم كتاب متماسك يشبه محتواه، فيما يصبح الغلاف بوابة الفضول الأولى التي تحدد علاقة القارئ بالعمل منذ اللحظة الأولى.
تقول د. هناء البواب من دار خطوط وظلال/ الأردن أسرار ان عملية تبدأ قبل طويل. رحلة تشترك فيها القراءة التحريرية، والتصميم، والرؤية الفنية، والتسويق، والنشر. اذ تعمل دور النشر وفق منهج احترافي يضمن أن يخرج الكتاب إلى العالم متماسك بصريا ومعرفيا منذ لحظة اختياره وحتى استقراره على رفوف المكتبات.
الغلاف هو «الجملة الأولى التي تُقال بصوت صامت. اللقاء الأول بين النص والعالم، اللحظة التي يعرف فيها الكتاب نفسه للقارئ قبل أن تُفتح صفحاته
وترى :»المصمم الجيد لا يضع لون أو صورة للزينة، بل يبحث عن نفس الكتاب: هل هو نص متوتر؟ رواية درامية؟ عمل فكري هادئ؟ مشروع معرفي؟ ومن هذه الروح تُخلق هوية الغلاف.ثم يأتي دور الالوان «ذاكرة النص ورائحته». فاللون قرار شعوري يترجم مزاج العمل: الأسود يلمع مع النصوص العميقة والفلسفية. الأزرق يهدأ مع الأعمال المعرفية والتأملية. الأحمر ينبض مع الروايات الدرامية. الترابي يوحي بالأصالة والجذور والتراث.
أما العنوان والخط العربي، فهما ليسا مجرد عناصر مكتوبة، بل جزء من الهندسة البصرية للغلاف. مكان الخط، حجمه، مدى صراحته أو ليونته، كلها خيارات تغيّر التأثير النفسي للغلاف.
وتصف الغلاف الناجح بأنه ذلك الذي :»يفتح باب الفضول دون أن يكشف الأسرار. يخلق علاقة فورية مع القارئ. ويعلن انتماءه لهوية الدار من دون أن يفقد خصوصيته».
وترى ان الغلاف كـ «فخ للقارئ أولًا، ثم ترجمة بصرية لروح النص». فهو قرار استراتيجي، أداة جذب داخل المكتبات، وجزء لا يتجزأ من العلامة البصرية للدار. يرفع فرص البيع منذ اللحظة الأولى.
ويعتمد المصمم في عمله على قراءة الكتاب أو ملخصه، ثم يبني تصور بصري يستند إلى الجنس الأدبي والجو العام وتوقعات القارئ. الهدف النهائي هو غلاف يثير الفضول ويعبر عن الهوية دون مبالغة أو ضوضاء بصرية
وكشفت المصممة الداخلية زينب منعم من دار ابجد عن الرحلة الدقيقة التي يمر بها أي كتاب قبل أن يصل إلى القارئ، رحلة تتقاطع فيها اللغة مع الفن، والرؤية الإبداعية مع معايير الدار.
تقول زينب إن البداية تكون دائماً بملف عادي يرسله الكاتب، «نستلم الصيغة الأولية، نبدأ بتنقيحها وتصحيحها لغوياً، ثم نعمل على تصميمها داخلياً». وبعد اكتمال التصميم الداخلي، ينتقل الفريق إلى المرحلة الأهم بصريا: تصميم الغلاف.
وتوضح أن الغلاف يستمد هويته من مضمون الكتاب ذاته: «من تشوفين الغلاف، المفروض تشوفين داخل الكتاب ألوانه وروحه وتفاصيله». أما العنوان، فإما أن يختاره الكاتب مسبقا، أو يتولى فريق أبجد اقتراح عنوان «يتناغم مع محتوى الكتاب» في حال لم يكن الكاتب قد حسم اختياره.
ويضم فريق العمل أربعة أشخاص ورغم ذلك، تؤكد زينب أن للكاتب مساحة لإبداء رأيه، لكن هذه الحرية تظل محكومة بسياسة الدار. فليس كل ما يقترحه الكاتب قابلًا للتنفيذ.
