0%

كتبُ التاريخ تستعيدُ ذاكرة الأمم على رفوف معرض العراق الدولي للكتاب

عبود فؤاد
عدسة: محمود رؤوف
يواصل معرض العراق الدولي للكتاب هذا العام إدهاش زوّاره بحضور لافت لكتب التاريخ والذاكرة حيث ازدحمت أجنحة دور النشر بمؤلفات تعيد فتح دفاتر الأمس وتقف على منعطفات سياسية وفكرية وروحية صنعت ملامح العالم الذي نعيش فيه اليوم.
في جناح دار الجمل برز كتاب «من الثورة إلى الديكتاتورية» للكاتبين ماريون فاروق وبيتر سلوغلت، وهو عمل بحثي ثقيل الغوص في تاريخ العراق السياسي الحديث. يكتب المؤلفان بجرأة قد لا تُحتمل في بعض مواضعها، معتبرين أن الكتابة عن العراق من الخارج ليست مهمة محايدة، خصوصًا لمن عاش تفاصيله وتبدلاته. تضم صفحات الكتاب شهادة طويلة تمتد من عام 1985 وما تلاه، ترصد نظامًا قاسيًا بقي قابضًا على السلطة لسنوات، وتوثّق تدهور الحياة اليومية للمواطن العراقي إلى حدّ الوجع. ليس الغرض التأريخ فقط، بل طرح سؤال صعب: هل يُحل مأزق الشعوب من مراكز القوى العالمية لا من أرضها؟.
وبالقرب منه عرضت الدار ذاتها كتابًا آخر لا يقل أهمية، هو «قيام وسقوط الرايخ الثالث» لويليام شايرر. يتتبع العمل نشأة هتلر من طفولة مرتبكة بلا جذور صلبة، إلى صعود رجل فاشل في الفنون نحو دكتاتور قاد العالم إلى حرب كونية. توقف الزوّار عند السرد التفصيلي الذي يتعقب حياة الرجل بين فيينا وميونيخ، شابًا بلا هدف ثم قائدًا مطلق السلطة. بدا الكتاب وكأنه يعيد تركيب عقلية الشر حين تتضخم، وكيف تتحول الأيديولوجيا إلى آلة حربية لا تعرف الرحمة.
أما دار الحلاج فقدّمت كتابًا يخص روح بغداد ذاتها: «متصوفة بغداد» لعزيز السيد جاسم. هنا لا يعود التاريخ سياسيًا فقط، بل روحياً، متأملاً وجدان المدينة القديمة. الكتاب ليس توثيقًا لسير أسماء لامعة كالحلاج والجنيد ومعروف الكرخي وبشر الحافي وسري السقطي فحسب، بل هو قراءة فكرية ترى التصوف ثورة هادئة ضد الجمود، وموقفًا وجوديًا لا انسحابًا من الحياة.
وبجانب الكتاب ذاته ظهر عمل آخر مهم هو «فصول من تاريخ العراق القريب» للكاتبة والمستشرقة غيرترود بيل بترجمة جعفر الخياط. في هذا الإصدار، تصوغ بيل التاريخ بوصفها شاهدة لا مؤرخة فقط، امرأة جابت بغداد والبصرة والموصل والنجف وكربلاء، ورصدت التحولات الاجتماعية والسياسية التي سبقت ميلاد الدولة العراقية الحديثة.
ومن دار سطور جاء كتاب «عراق نوري السعيد» للكاتب فالديمار غالمان بترجمة عبد اللطيف نوري، وهو شهادة دبلوماسية تستند إلى تجربة المؤلف كسفير للولايات المتحدة في بغداد. يكشف الكتاب عن كواليس السياسة العراقية في مرحلة حساسة، ويضيء على شخصية نوري السعيد وتأثيره في بناء الدولة الحديثة وتحالفاتها.
وفي دار خطوط وظلال كان الحضور مع إصدار فكري مهم بعنوان «في البدء كان العرب» للدكتور عبدالعزيز اللبدي. كتاب يذهب إلى أبعد من التأريخ التقليدي ويعيد تعريف العرب منذ بداياتهم الأولى، من الصحراء إلى الحواضر، من الترحال إلى اللغة التي ظلت وعاء الهوية وناقلتها عبر الزمن.

Scroll to Top