
عبود فؤاد
عدسة: محمود رؤوف
شهد معرض العراق الدولي للكتاب بنسخته السادسة حضوراً واضحاً لسلسلة من الإصدارات العلمية الجديدة التي تتناول الذكاء الاصطناعي من زوايا متعددة، ما يعكس حجم التحول المعرفي الذي يشهده القارئ العربي، والفضول المتزايد لفهم التقنية التي باتت تتحكم في الاقتصاد والاتصال والتعليم وحتى السياسة. أربعة كتب في أجنحة مختلفة قدّمت للقارئ مدخلًا واسعًا نحو هذا العالم المتسارع، بعضها يطرح الأسئلة الشائكة، وأخرى تقدم بدائل، وثالثة تفتح الباب لتصورات مستقبلية أكثر عمقًا.
في هذا السياق، يقدم الباحث التونسي أيمن البوغانمي في كتابه «التدمير الخلاق» الصادر عن دار مؤمنون بلا حدود رؤية تاريخية للتغيرات التكنولوجية، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي يشكل ثورة تفوق أثر الثورتين الصناعيتين في القرنين التاسع عشر والعشرين. ويشير البوغانمي إلى أن السياسات في المجتمعات التي لم تساهم مباشرة في تطوير التكنولوجيا ما زالت مقيدة بأطر قديمة، مما يولد فجوة بين الاقتصاد المتسارع والوعي السياسي المستند إلى الماضي، وهو ما يسميه بـ»التدمير الخلاق».
من جانب آخر، يسلط كتاب «الذكاء الاصطناعي» لكريم ماسيموف الصادر عن دار تموز الضوء على وجود الذكاء الاصطناعي معنا في حياتنا اليومية، من مشاريع المدن الذكية إلى الاستثمارات الكبرى في دول مثل الولايات المتحدة، الصين، الإمارات وسنغافورة، مع طرح سؤال محوري: هل سيتمكن البشر من التحكم في الذكاء الاصطناعي، أم سيصبح قوة مستقلة تتجاوز سيطرتهم؟
هذه الرؤية تتقاطع مع ما تطرحه كيت كرفورد في كتابها «أطلس الذكاء الاصطناعي» المتوفر عند دار ومكتبة عدنان، حيث تعتبر الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا استخراجية تهدد الموارد الطبيعية وتؤدي إلى تركيز السلطة، ما يستدعي التفكير في آليات حوكمة جديدة لمواجهة آثارها الاجتماعية والسياسية.
إلى جانب ذلك، يعرض كتاب «حوارات الأضداد» الصادر عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإبداع، متسائلًا عن قدرته على كتابة الشعر أو القصة القصيرة، ومحاكاة الإحساس الإنساني والتجربة الفنية. هذه النصوص النقدية والاستكشافية تقدم للقارئ منظورًا متوازنًا للتفاعل بين الإنسان والآلة، بين الابتكار الفني والقدرات التقنية، مما يجعل الذكاء الاصطناعي لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل مجالات الإبداع والثقافة.
يعكس هذا الاهتمام بالذكاء الاصطناعي من دور النشر إدراكًا متزايدًا لتأثيراته الشاملة على المجتمع، حيث تتشابك التكنولوجيا مع السياسة والاقتصاد والثقافة، وتطرح أسئلة جوهرية عن مستقبل العلاقة بين الإنسان والآلة، وقدرته على التكيف مع ثورة تقنية تتسارع وتغير كل شيء حولنا.
