
عبود فؤاد
في أروقة معرض العراق الدولي للكتاب، كان حضور المرأة هذا العام أكثر وضوحًا، لا سيما مع اختيار المعرض شعار «100 نون عراقية» احتفاءً بالمنجز النسوي العراقي في جميع المجالات الثقافية والفكرية والاجتماعية. هذا التوجه لم يكن مجرد شعار رمزي، بل تجسيدًا حقيقيًا لدور المرأة القارئة والمبدعة، وهو ما أكدت عليه النساء المشاركات في فعاليات المعرض،
ترى الشاعرة حوراء عبد الله أن المرأة العراقية ليست مجرد زائرة للمعرض، بل قارئة فاعلة منذ اللحظة الأولى بقولها «المرأة العراقية قارئة قبل أن تكون مجرد زائرة، كثيرات يبدأن قبل أسابيع في إعداد قائمة العناوين التي يرغبن في اقتنائها، فحين يأتين إلى المعرض يعرفن الطريق إلى ما يبحثن عنه، ويقتربن من الكتب بشغف، كأنهن يدخلن أرضًا يعرفن تضاريسها.» وتضيف أن هذا الحضور يعكس الإدراك العميق لدور المرأة في صناعة الفعل الثقافي، وتؤكد أنه عنصر فعال في تنمية القراءة والمعرفة داخل المجتمع.
وعن تجربتها الشخصية بين كونها شاعرة وكونها امرأة، تصف حوراء الشعر بأنه كائن زئبقي معقد، أحيانًا يضاعفها كما يقول كونديرا، وأحيانًا يبدو دخيلًا عليها، لكنها لا تستطيع الاستغناء عن جمالياته التي تمنحها شعورًا بالاكتمال. تقول: «الشعر ينعكس بمسحته الألوهية داخل عنصر جوهري مثل الهوية، فهو قادر على تعريتها أو الكشف عنها من خلال قصيدة واحدة، والقصيدة التي لا تفعل ذلك أعتبرها غير مكتملة وأتخلص منها. الشعر وحده قادر على إخضاع هوية وثقافة أي دولة عند قدميه، أن أقرأ شعر دولة ما يعني أن أسافر إليها بجواز سفر ذهبي.»
من جانبها، ترى الشاعرة دعاء الحاوي أن حضور المرأة في المعرض طبيعي وأصيل، فهي جزء لا يتجزأ من المشهد الثقافي، سواء من خلال الكتابة أو المشاركة في الندوات والجلسات الشعرية. وتقول: «المرأة تمتلك دائمًا القدرة على ترك أثر يشبهها ويضيف لونًا من المعرفة إلى المكان. أما اختيار المعرض لعنوان «100 نون عراقية» فهو فرصة للاحتفاء بالمنجز النسوي العراقي عبر الأجيال، وتذكير بأن المرأة قادرة على صناعة أثر حقيقي يستحق أن يُرى.»
وتضيف الحاوي أن الشعر والهوية متشابكان في تجربتها، فلا يمكنها الفصل بين كونها شاعرة وكونها امرأة. تقول: «هذا المزيج يولد بداخلي ضوءًا واحدًا، يجعلني أرى العالم بعين أقرب إلى الشعر. الشعر لم يكن خيارًا، بل طبيعة تكويني والطريقة التي أفهم بها نفسي وأتواصل بها مع الحياة. الكتابة تمنحني المساحة لأكون المرأة التي أريدها، وصوتًا لصمتي الطويل، وهذا التداخل بين أناي الداخلية وصوتي الشعري هو ما يجعل تجربتي حقيقية.»
من خلال هذه الشهادات، نرى أن معرض العراق الدولي بنسخته السادسة مساحة للتواصل بين المرأة والقراءة، ومكانًا لإبراز صوت الشاعرة كعنصر أساسي في الحياة الثقافية. فالمرأة العراقية ليست مجرد قارئة أو زائرة، بل شاعرة، كاتبة، وفاعلة في صناعة الثقافة وكل المجالات، وانها مستمرة في إثبات حضورها وإبداعها على كافة المستويات.
مع كل دورة جديدة، يثبت المعرض أن الثقافة بكل عناصرها مترابطة تشكل جسورًا حقيقية بين الفكر والإبداع، بين المؤلف والقارئ، لتظل الثقافة العراقية نابضة.
