0%

حين تتقدّم المرأة.. يتحرك المجتمع: نون عراقية صنعت الفرق عبر قرن

عبود فؤاد
على مدى قرن كامل، كانت المرأة العراقية عنصرًا فاعلًا في تشكيل المشهد الاجتماعي والثقافي، ليس من موقع المشاركة فقط، بل من موقع الصدارة وصناعة التحول. ومع إطلاق عنوان «««100 نون عراقية»» في النسخة السادسة من معرض العراق الدولي للكتاب، تتجدد الإضاءة على نساء تركن بصمة واضحة في الوعي الجمعي، وغيّرن مستقبل الثقافة والمجتمع العراقيين عبر مسيرة امتدت من الأدب إلى الإعلام والفن والعمل المدني.
في المجال الثقافي، شكّلت أسماء مثل نازك الملائكة نقطة انعطاف حقيقية في الأدب العربي، حين كسرت قواعد الشعر التقليدي وأسّست لمدرسة الشعر الحر. لم يكن فعلها الأدبي مجرد ابتكار لغوي، بل كان فعلًا اجتماعيًا شجاعًا، إذ فتحت الباب أمام المرأة لتكون صوتًا مفكرًا ومجددًا لا تابعًا. على النهج ذاته، جاءت لميعة عباس عمارة لتمنح الشعر العراقي حساسية جديدة؛ صوتًا أنثويًا قويًا يمزج العاطفة بالهوية، ويؤكد قدرة المرأة على إعادة صياغة الموروث بأسلوب عصري.
على صعيد الرواية، قدّمت لطفية الدليمي نموذجًا آخر للكاتبة التي لا تفصل بين الثقافة وهموم المجتمع، فناقشت في رواياتها علاقة المرأة بالمدينة والسلطة والمعنى، مسهمةً في توسيع مساحة التفكير الاجتماعي داخل الأدب.
وفي الصحافة والإعلام، كانت المرأة العراقية حاضرة بقوة أيضًا. تُعد بولينا حسون من أبرز الشخصيات النسوية في تاريخ العراق، أسست حسون عام 1923 مجلة «ليلى»، أول مجلة نسوية عراقية خالصة، كانت حينها خطوة جريئة في مجتمع لا يزال يخطو بحذر نحو الحداثة. لم تكن المجلة مجرد منبر إعلامي، بل شكلت فضاءً فكريًا يناقش قضايا المرأة والتعليم والحقوق المدنية، ويدعو إلى إصلاحات اجتماعية واسعة. وقد تبنّت حسون خطابًا تقدميًا يطالب بتمكين المرأة سياسيًا وثقافيًا، واعتبرت أن التعليم والعمل هما مفتاحا نهضة المجتمع.
وإذا كان التغيير الثقافي مرتبطًا بالكتابة والفن، فإن التغيير الاجتماعي ارتبط بالتمكين والنماذج الريادية. فقد شكّلت نزيهة الدليمي، أول وزيرة في تاريخ العراق والعالم العربي، مثالًا للقوة النسوية التي اقتحمت المجال السياسي مبكرًا، وأسهمت في تأسيس أول قانون تقدّمي للأحوال الشخصية. كما أن تأثير سليمة مراد في الفن لم يكن فنيًا فقط، بل اجتماعيًا أيضًا؛ إذ فتحت بجرأتها باب الشهرة والاحتراف أمام النساء في زمن كان الظهور العلني فيه تحديًا كبيرًا.
هذا الحضور المستمر عبر التاريخ أثمر جيلًا جديدًا من النساء اللواتي يعملن اليوم على تغيير المجال الاجتماعي من خلال منظمات المجتمع المدني، المبادرات الثقافية، الفنون البصرية، والتكنولوجيا. فظهرت مبرمجات ومبادرات في التعليم الرقمي، وناشطات يقدن حملات اجتماعية تتعلق بالصحة النفسية، العنف الأسري، وتمكين المرأة اقتصاديًا.
معرض العراق بعنوانه «««100 نون عراقية»» لا يحتفي بالأسماء فقط، بل يحتفي بالمسار، ذلك المسار الذي أثبتت فيه المرأة العراقية أن التغيير ممكن، وأن الثقافة ليست نصًا مكتوبًا فقط، بل فعلًا اجتماعيًا يعبر من الكلمات إلى الواقع. وهكذا، تتأكد حقيقة راسخة: أن النساء العراقيات لم يغيّرن المسار الثقافي والاجتماعي فحسب بل صنعن طريقًا جديدًا يمشي عليه الجميع.

Scroll to Top