0%

الكتب المستعملة .. جسور تعبر بنا إلى الماضي

تبارك عبد المجيد

تحتضن الكتب القديمة بين صفحاتها ليس فقط الكلمات، بل أيضاً روح الأزمنة التي كُتبت فيها، وتروي قصصاً تتجاوز حدود الزمان والمكان.

يتحدث إياد حسن، مدير منشورات “نصوص”، بحماس عن تأثير الكتب القديمة على القراء والكتّاب، وكيف تحمل هذه الكتب بين صفحاتها تاريخاً نابضاً لا يقدر بثمن. بالنسبة له، الكتاب القديم ليس مجرد نص مطبوع، بل هو نافذة إلى عوالم غابرة، مليئة بالقصص واللغات والأساليب التي توثق مراحل مختلفة.

“الكتب المطبوعة في العشرينيات، على سبيل المثال، ليست مجرد إصدارات قديمة؛ إنها تُعتبر من آثار البلد، فهي تحكي عن زمنها بطريقة لا تخطئها العين. الكتب هذه ليست فقط مرآة للأحداث الكبرى، بل هي شاهدة على تفاصيل الحياة اليومية. عندما يفتح القارئ كتاباً قديماً يتحدث عن بغداد مثلا، يجد داخله أسماء العقود، والدروب، والأحياء كما كانت تُعرف آنذاك. حتى في وسط اللغة الفصحى المستخدمة في النصوص، يتسلل عبق اللهجات القديمة، فتتكشف لنا الحياة كما عاشها أهل تلك الحقبة”.

الكتب القديمة تمتاز بتوثيقها للطريقة التي كان الناس يكتبون بها ويفكرون. فهي تكشف عن الاختلافات بين الأسلوب الشفاهي الذي كان يُستخدم يومياً، والأسلوب الكتابي الذي عكسته النصوص. الترجمة، على وجه الخصوص، في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت تُكتب بأسلوب قريب جداً من لغة العرب الكلاسيكية، كأنك تقرأ نصاً من القرن السادس أو السابع الهجري، رغم أنها كُتبت في بداية القرن العشرين. هذا التقاطع الزمني يُشعر القارئ وكأنه يعيش في أجواء عصرين مختلفين في آن واحد.

يؤكد إياد، أن أهمية هذه الكتب لا تقتصر على كونها وثائق تاريخية، بل تتعدى ذلك لتصبح أدوات تحليل لفهم الحقب السياسية التي أثرت على الأدب والنصوص. الأسلوبية التي نجدها في الكتب القديمة تفتح أبواباً لفهم طريقة تفكير الكتّاب، وتقديم محتوى يعكس اهتمامات المجتمع في تلك الأزمنة. أحياناً، تحمل هذه الكتب نظرة مستقبلية، فهي تُظهر كيف كان الماضي يرى المستقبل، وتساعدنا على استقراء حاضرنا ومستقبلنا بناءً على معطيات تلك الأزمنة.

في النهاية، يشير إياد حسن إلى أن الكتاب القديم له أهمية خاصة تتجاوز مجرد قيمته التاريخية أو المادية. إنه تجربة غنية تأخذ القارئ في رحلة عبر الزمن، حيث يختلط الماضي بالحاضر، وتتشابك النصوص المكتوبة بأسلوبية مختلفة مع القصص المنسية.

يضيف “الكتاب القديم ليس مجرد كتاب؛ إنه سجل حيّ، يربط القارئ بحقب مختلفة، ويمد جسر الزمن بين الماضي والمستقبل”.

داخل أروقة “دار سماء للنشر والتوزيع”، يجلس حسين علي، أحد العقول التي لا تكتفي بمجرد نشر الكتب، بل تسعى جاهدة لتقدير جوهرها. يصف حسين نفسه بشغفٍ نابع من أعماقه: “أحب الكتاب القديم لأنه يحمل تفاصيل أدبية وشكلاً فنياً يتجاوز حدود الزمن.”

يتحدث حسين عن ارتباطه الوثيق بالكتب القديمة، ويفسر قائلاً: “الكتاب القديم أحلى من ناحية التفاصيل ومن ناحية الشكل. المؤلفون القدماء كانوا أكثر اهتماماً بتفاصيل الكلمات، وهذا ما يجعل نصوصهم تحمل روحاً مميزة تختلف كثيراً عن الأعمال الحديثة.”

هذه العلاقة بين حسين والكتب القديمة ليست مجرد حب عابر، بل هي فلسفة عمله اليومية. في كل كتاب يمر بين يديه، يبحث عن التفاصيل التي تحمل المعاني العميقة، والشكل الذي يجذب القارئ ويعيده إلى زمنٍ كانت فيه الكلمات أكثر صدقاً وتأثيراً.

رغم التطور الكبير في عالم النشر الحديث، يبقى مؤمناً بأن جمال الأدب يكمن في أصالته. “في الوقت الحاضر، قد نفتقد أحياناً تلك التفاصيل التي كانت تميز الكتابات القديمة، ولهذا أجد نفسي دائماً أعود إلى جذوري مع هذه النصوص”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top