بغداد / المدى
تحت قباب معرض العراق الدولي للكتاب، الذي يحمل هذا العام اسم “من قلبي حروف لبيروت”، لم تكن الكتب وحدها ما خطفت الأنظار. كان هناك شيء آخر يجذب القلوب: الحنين لبيروت، المدينة التي تداخلت مع ذاكرة العراقيين بأوجهها المختلفة، بين الثقافة، الفن، والمواقف الإنسانية. وبين الأجنحة المزدحمة، تحدث زوار المعرض، وهم أشخاص عاديون، عن ما تعنيه بيروت لهم.
“بيروت تعني لي الحرية” – علياء جبار، موظفة حكومية
تبدأ علياء حديثها: “بيروت دائمًا كانت بالنسبة إليّ مدينة الحرية. أيام الشباب كنا نحلم بزيارتها. كنا نراها في الأفلام ونقرأ عنها في الروايات، مدينة تسهر على الفن والأدب. لم أزرها أبدًا، لكنني أشعر وكأنني أعرف شوارعها وأزقتها. هذا المعرض جعلني أعيش لحظات وكأنني هناك. حتى بعض دور النشر التي تحمل الطابع اللبناني تشبه بيروت بمزاجها المختلف”.
“بيروت رائحة الكتب الأولى” – أحمد الساعدي، يعمل في مكتبة
أحمد، الذي يعمل في مكتبة متواضعة ببغداد، استذكر علاقته الأولى بالكتب، والتي بدأت من “كتب بيروت”. يقول: “عندما كنت صغير، والدي كان يشتري كتبًا كثيرة من بيروت. أغلبها كانت روايات وكتب علمية، وكانت بيروت اسمًا بارزًا على الغلاف، وكأنها ختم الجودة. كل كتاب كنت أمسكه من بيروت كان يعني لي شيئًا كبيرًا، وكأنه كنز.” ويتابع بابتسامة: “وجود اسم بيروت هنا في معرض بغداد يعيد لي ذكريات طفولتي، ويجعلني أتمنى أن أزور هذه المدينة يومًا”.
“بيروت كانت قصيدة سفر” – سعاد عبد الله، معلمة متقاعدة
سعاد، التي زارت بيروت لأول مرة في السبعينيات برفقة زوجها الراحل، تتحدث بشجن عن تلك الرحلة:
“كانت أول مرة أسافر خارج العراق، وكانت بيروت وجهتنا. لا أنسى الإحساس الذي غمرني عندما رأيت شوارعها المليئة بالمكتبات والمقاهي. بيروت كانت مدينة تشبه الحلم، وكل زاوية فيها تحمل طاقة لا تُوصف”.
“بيروت مدينة العائلة” – فاطمة عباس
فاطمة، التي زارت بيروت مع عائلتها قبل بضع سنوات، تستذكر كيف كانت الرحلة فرصة للتقارب الأسري:
“سافرنا كعائلة صغيرة، أنا وزوجي وأطفالي الثلاثة. استأجرنا شقة صغيرة في منطقة الحمرا، وكنا نتجول يوميًا بين الأسواق والمطاعم. أحببنا البحر والمناطق الجبلية مثل فاريا. بيروت بالنسبة لي تعني الذكريات العائلية الجميلة، وابتسامات أطفالي وهم يكتشفون مكانًا جديدًا”.
“بيروت وبغداد.. حكاية مشاعر مشتركة”
قصص الزوار الذين زاروا بيروت تحمل في طياتها الكثير من الحنين والحب. في معرض العراق الدولي للكتاب، لم تكن بيروت مجرد اسم ملهم؛ بل كانت ذكرى حية لأناس جمعهم شغف السفر والثقافة.
يقول أحد الزوار: “بيروت مثل بغداد، مدينتان تحملان ثقل التاريخ وأحلام الأجيال. حتى وإن لم تزرها، فإن اسمها يوقظ في داخلك مشاعر الدفء والإنسانية”.
في النهاية، بيروت ليست مجرد مدينة بالنسبة للعراقيين، بل هي مساحة من الحنين والأمل، مدينة تعلموا منها معنى التحدي والبقاء. لهذا، فإن اختيار اسمها للمعرض هو تكريم للعلاقة الثقافية التي لطالما جمعت الشعبين.