0%

المكتبات في بيروت.. خسائر تتجاوز الجدران والمستودعات

نبأ مشرق

يواجه قطاع النشر والمكتبات في لبنان تحديات وجودية متفاقمة، نتيجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي ضربت البلاد منذ عام 2019. من الانهيار الاقتصادي إلى تداعيات جائحة كورونا، وصولاً إلى آثار الحروب، تعاني المكتبات ودور النشر من أزمات تهدد استمراريتها، وتؤثر على مكانة لبنان الثقافية في العالم العربي.

المكتبات: ذاكرة ثقافية مهددة

صرح هشام كرم، مندوب المبيعات في دار الساقي، لـ(ملحق المدى) قائلاً: «المكتبات ليست مجرد أماكن لبيع الكتب، بل هي ذاكرة ثقافية للأفراد والمجتمع. خسارتها تمثل انقطاعًا في هذا التاريخ الثقافي، ولا يمكن تعويضها بسهولة».

وأشار كرم إلى أن الأزمة الاقتصادية دفعت الناس لإعادة ترتيب أولوياتهم، حيث أصبحت الكتب رفاهية لا يستطيع الكثيرون تحملها. وأضاف: «اليوم، القارئ اللبناني منشغل بتأمين احتياجاته الأساسية. حتى المكتبات الشخصية التي جمعها البعض على مدى سنوات تعرضت للدمار، وهو ما يُعد خسارة كبيرة للثقافة الفردية».

تأثير الحرب والأزمات على صناعة الكتاب

من جهته، تناول ربيع خليفة، ممثل شركة المؤسسة الحديثة لكتاب لبنان، تأثير الحرب والأزمات الاقتصادية على قطاع النشر والطباعة. وأوضح أن العديد من المطابع، خاصة في الضاحية الجنوبية، تعرضت لأضرار بالغة بسبب القصف، ما أدى إلى توقف الإنتاج. وعلق قائلًا: «الحرب لم تدمّر المباني فقط، بل أوقفت عجلة الصناعة. المطابع التي كانت تنتج آلاف النسخ يوميًا تحتاج الآن إلى سنوات من الدعم لإعادة تأهيلها».

كما أشار خليفة إلى أن التحول الرقمي والكتب الإلكترونية كانا يشكلان تحديًا للمكتبات التقليدية حتى قبل الحروب، مضيفًا: «لكن الحروب جاءت لتقضي على ما تبقى، إذ تراجعت معدلات القراءة والشراء، وباتت المكتبات تواجه صعوبة كبيرة في البقاء».

القراءة كوسيلة للمقاومة

على الرغم من التحديات، يرى خليفة أن القراءة والكتاب يمثلان أدوات مقاومة ثقافية. وقال: «القراءة ليست ترفًا، بل هي توثيق للأحداث وتعبير عن الصمود. مشاركتنا في المعارض الدولية مثل معرض العراق الدولي للكتاب دليل على استمرارنا في مواجهة الأزمات».

بدوره، أكد كرم أن الكتاب يمنح الأفراد ملاذًا نفسيًا من ضغوط الحياة اليومية. وأضاف: «في ظل الأزمات، يلجأ القارئ إلى الكتاب للبحث عن الراحة النفسية. نحن نؤمن أن الكتاب يمكن أن يظل وسيلة تجمع الناس وتساعدهم على التمسك بهويتهم».

بيروت في معرض العراق الدولي للكتاب

شهد معرض العراق الدولي للكتاب تكريمًا خاصًا لبيروت، حيث حمل المعرض شعار المدينة اللبنانية. واعتبر خليفة هذه المبادرة دعمًا معنويًا كبيرًا لقطاع النشر اللبناني. وقال: «اختيار اسم بيروت كشعار للمعرض يعكس عمق العلاقة الثقافية بين لبنان والعراق. هذا الدعم العراقي في ظل ظروفنا الصعبة تعبير صادق عن الأخوة».

وأضاف: «ديكورات المعرض المستوحاة من الطابع اللبناني أظهرت للعالم أن لبنان ما زال حاضرًا على الساحة الثقافية. الكتاب سيظل أداة فعالة لمواجهة الأزمات وتحدي الظروف».

رغم الأزمات المتلاحقة التي ضربت قطاع النشر والمكتبات في لبنان، يظل الكتاب رمزًا للصمود والمقاومة الثقافية. من خلال تكريمه في معرض العراق الدولي للكتاب، يتجلى التضامن الثقافي بين الشعوب، ما يعزز الأمل في استعادة دور بيروت الريادي كمنارة للثقافة والإبداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top