0%

وداعًا لصوتٍ نقل كالفينو وإيكو إلى القارئ العربي.. رحيل أماني فوزي حبشي خلال ايام المعرض

عبود فؤاد
في 9 ديسمبر 2025، غاب صوتٌ ظل لسنوات طويلة أحد أهم الجسور بين العربية والإيطالية. رحلت المترجمة والأكاديمية أماني فوزي علاء حبشي، فيما كانت معظم كتبها حاضرة في معرض العراق الدولي للكتاب داخل أروقة دور النشر، وكأن نتاجها بقي واقفًا في الممرات يواصل الحوار مع القرّاء رغم غياب صاحبته. حضور الكتب كان أشبه بامتداد حياتها المهنية، محمّلًا بما تركته من أثرٍ ثقافي واضح.
على مدار مسيرتها حصدت حبشي تقديرًا واسعًا، إذ نالت الجائزة الوطنية في الترجمة من وزارة الثقافة الإيطالية عام 2002، ثم كرّمتها الحكومة الإيطالية بـ وسام فارس عام 2023 تقديراً لإسهاماتها في نقل الأدب الإيطالي إلى العربية وتوسيع مساحة حضوره في العالم العربي. كانت الجوائز شهادة اعتراف بمشروع لغوي وثقافي لم يتوقف عند حدود النقل الحرفي، بل كان إعادة إنتاج معرفي بروح عربية واضحة.
يتصدر مشروعها في الترجمة نقل ثلاثية «أسلافنا» لإيتالو كالفينو: الفسكونت المشطور، البارون ساكن الأشجار، وفارس بلا وجود. نصوص مزجت بين الفانتازيا والتأمل الفلسفي، وجاءت ترجمتها لتمنح القارئ العربي تجربة قراءة موازية للأصل الإيطالي، محافظة على روح النص وصوره ورموزه. وقد اعتُبرت هذه الثلاثية أحد أهم أعمالها وأبرز ما وصل من كالفينو إلى المكتبة العربية.
برز اسمها كذلك بترجمتها لرواية «بندول فوكو» للكاتب أمبرتو إيكو، أحد أكثر النصوص تعقيدًا وتشابكًا، حيث نجحت في تقديمه عربيًا دون أن يفقد ثرائه المرجعي والفلسفي. ثم تابعت مشروعها مع إيكو بكتاب «بماذا يؤمن من لا يؤمن؟» الذي نقلت من خلاله أسئلة الحداثة والروح واللغة إلى العربية بنبرة فكرية خفيفة وواضحة.
لم تتوقف عند الأسماء الراسخة، بل فتحت الباب لتيارات السرد الإيطالي المعاصر، فنقلت أعمالًا مثل «أصوات المساء» لنتاليا جينزبورج، و»الجبال الثمانية» لباولو كونيتي، و»أربطة» لدومينيكو ستارنونه. كما قدّمت للقارئ العربي روايات أُخرى مثل بلا دماء وصوت منفرد والأشياء التي تنقذنا، مُعرّفة القرّاء بجيل أدبي جديد بات معروفًا في العالم العربي عبر ترجماتها.
امتد عمل الراحلة إلى المسرح والفكر، فترجمت «المسرح والعالم الرقمي» لأنطونيو بيتزو، و»خطابات ضد الحرب» لتيتسيانو ترتساني، إضافة إلى أعمال داريو فو وشيزارينا كازانوفا. وقد مثّلت هذه الأعمال اتساعًا في تجربتها، بوصفها مترجمة لا تتقيد بجنس أدبي واحد، بل تتنقل بين الفنون والمعرفة بروح بحثية حرة.
كان المشهد لافتًا في معرض العراق الدولي للكتاب: رفوف كثيرة تحمل ترجماتها، وقراء يقفون أمامها يفتحون الصفحات ويتصفحون العناوين بعمق. رحلت أماني حبشي، لكن الكتب بقيت شاهدة، لا تزال تتبادل الحوار مع من يقرأها، وتمنح الأدب الإيطالي حياة جديدة في العربية.

Scroll to Top