0%

من “عائد إلى حيفا” إلى غزة: الكلمة تصنع الثورة..عن أدب الصراعات والنزاعات

تبارك عبد المجيد

في ظل الأزمات المتلاحقة والصراعات التي تجتاح المنطقة العربية، يتصدر الأدب دوره كمرآة للمجتمع ونافذة تعبر عن قضايا الإنسان وهمومه. تبرز هنا أهمية الكاتب بوصفه “لسان الأمة” وأداة تعبير أساسية تواجه الظلم والقمع وتوثق الوجع الإنساني. لقد كان الأدب، ولا يزال، قوة مؤثرة قادرة على تحريك الشعوب وإلهامهم، بل وحتى دفعهم إلى الثورة أو تغيير المسار السياسي والاجتماعي.

أدب الحروب

تحدثت الدكتورة هناء البواب، أستاذة اللغة العربية في دار خطوط وضلال الأردنية، عن دور الكاتب في مواجهة التحديات. وأكدت أن “الكاتب يمتلك القوة الناعمة التي تُحدث أثراً كبيراً، حيث “كان بيت من الشعر قديماً يشعل الحروب أو يدفع الجيوش للتحرك”، وهو ما يعكس مدى تأثير الكلمة. اليوم، يمكن للفنان التشكيلي أن يترجم معاناة الشعوب بلوحة، وللأديب أن ينقل آلام الحروب من خلال كلمات قصصه أو رواياته، وللشاعر أن يعبر بأبياته عن صرخات الشعوب الجريحة”.

وأضافت البواب لـ(ملحق المدى) أن “ما يحدث اليوم في غزة يمثل بوصلة حقيقية حركت الأدباء والشعراء نحو تبني قضايا الشعوب المقهورة، حيث يعود الكتاب “القدماء” إلى الساحة بأعمالهم، مشيرة إلى روايات غسان كنفاني مثل “عائد إلى حيفا” و*“ما تبقى لكم”* و*“أرض البرتقال الحزين”*. هذه الأعمال جسدت مأساة الفلسطينيين بصدق، وأصبحت نموذجاً لأدب المقاومة”.

من جانبها، أوضحت منى رحمن، التدريسية في الجامعة المستنصرية، المتخصصة في علم النفس وعضو دار البابلية للدراسات والبحوث، أن أدب الحروب لا يزال يعاني من نقص في الإنتاج، حيث يتوجس العديد من الكتاب من خوض غمار هذا النوع الأدبي. السبب، بحسب رأيها، يعود إلى محدودية الجمهور المستهدف لهذه الأعمال، بالإضافة إلى حساسية الموضوع الذي يتطلب قدرة استثنائية على نقل التجارب الإنسانية بأمانة دون الانحياز أو التحيز.

وأشارت إلى أن “معرض العراق الدولي للكتاب” شهد وجود بعض الأعمال التي تناولت أدب الحروب، لكنها تبقى قليلة مقارنة بالأنواع الأدبية الأخرى. هذا يعكس إحجام الكتاب عن الكتابة في هذا المجال رغم أهميته البالغة.

دور الأدب في توثيق النزاعات

في هذا السياق، يرى الأديب والباحث خيري الذهبي، أن أدب الصراع والنزاعات ليس مجرد انعكاس للواقع، بل هو فعل مقاومة وإبداع يعبر عن صرخات المقهورين ويفتح نافذة أمل للإنسانية. يقول الذهبي: “في خضم الصراعات، يصبح الأدب أداة للتوثيق والتعبير، وهو السجل الذي يحفظ الذاكرة الجمعية للأجيال القادمة”.

وأشار إلى أن الأدب في الحروب يتطلب جرأة وشجاعة استثنائية، حيث يواجه الكاتب تحديات سياسية وأمنية ومجتمعية. ورغم هذه التحديات، استطاع العديد من الكتاب، مثل غسان كنفاني في فلسطين وحنا مينة في سوريا وصلاح خلف في العراق، أن يصنعوا من المعاناة إبداعاً خالداً يعكس صورة نضال الإنسان ضد الظلم.

لا يمكن فصل أدب الحروب عن الجانب السياسي، فهو يتناول قضايا تتقاطع مع هموم الشعوب وتطلعاتها. لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الكتاب في هذا النوع هو القدرة على تقديم رواية إنسانية عميقة لا تُختزل في الجانب السياسي فقط، بل تمتد لتشمل الأبعاد الثقافية والاجتماعية والنفسية للصراعات.

يبقى أدب الصراعات والنزاعات مساحة مفتوحة للأديب للتعبير عن قضايا الإنسان في أصعب الظروف. ورغم الإحجام عن خوض هذا المجال من قبل البعض، إلا أن ما يشهده العالم العربي اليوم من أزمات يجعل الحاجة إلى هذا النوع من الأدب أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. الأدب هنا ليس مجرد وسيلة سرد، بل هو وثيقة إنسانية وشهادة تاريخية تعكس مآسي الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية والكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top