
عبود فؤاد
عدسة: محمود رؤوف
في دورته السادسة، يقدّم معرض العراق الدولي للكتاب مساحة فكرية تعيد وضع المرأة في مركز النقاش الفلسفي العالمي، عبر مجموعة من الكتب التي تتناول أسماء وتيارات كان للنساء فيها حضورٌ مؤثر وحاسم. ما يميز هذه الإصدارات ليس تناولها لقضايا المرأة فحسب، بل قدرتها على زعزعة البنى الفكرية التقليدية وطرح قراءة جديدة للوجود، السلطة، الحرية والعقل. وهكذا تتحوّل أروقة المعرض إلى مختبر فكري مفتوح، تلتقي فيه الأسئلة الكبرى بتاريخ الفلسفة وراهن العالم.
البداية مع ما يُعرَض من كتب سيمون دي بوفوار في دار المدى، حيث يتجلّى إرثها الوجودي والنسوي بوصفه انقلابًا معرفيًا على فكرة الهوية الثابتة. أعادت كتبها المعروضة تبويب فكر بوفوار من زاوية تأثيره على تصور الذات الأنثوية، مؤكّدًا أن المرأة ليست قدَرًا بيولوجيًا، بل مشروعًا إنسانيًا يُصنع عبر التجربة والعقل. قراءة هذا العمل تمنح الزائر فرصة لفهم كيف تحوّلت بوفوار من فيلسوفة إلى رمز يغيّر مفاهيم الواقع والسلطة والجنس. إنها فلسفة تتحدّى السائد وتحرّض على التفكير، لا على التلقي. وإلى جانبها يبرز حضور حنّة أرندت في دار الروافد، حيث تُعرض مؤلفات تتناول رؤيتها للدولة والسلطة والعنف. أرندت تعيد تعريف السياسة بوصفها ممارسة إنسانية مشتركة تقوم على الفعل والكلمة لا على القوة والسيطرة. الكتب الموجودة تعرض تحليلها للأنظمة الشمولية وتاريخ العنف وتفتح للمجتمع العراقي بابًا لتأمل صور السلطة في العالم الحديث. من خلال أعمالها يدرك القارئ أن السياسة ليست شيئًا بعيدًا أو محجوبًا، وإنما هي ممارسة تبدأ من الفرد وتنتهي في المجال العام، حيث الحرية هي الشرط الأول للحياة المشتركة.
وفي مركز دراسات الوحدة العربية، يأتي كتاب فلسفة الحرية ليجمع أصواتًا أكاديمية تناقش المفهوم بأبعاده الوجودية والأخلاقية. في هذا العمل تطرح وداد أبو النجا عجيزة تصورًا للرواقيين الذين حاولوا التوفيق بين حتمية الكون وإرادة الإنسان، بينما تذهب يمنى طريف الخولي في الكتاب نفسه إلى توسيع معنى الحرية، مؤكدة أنها لا تُختزل في القوانين أو الإرادة الفردية، بل هي شبكة معقّدة من الصلات بين الطبيعة والعقل والمجتمع. هذه الفصول لا تمنح جوابًا نهائيًا بقدر ما تمنح قارئها القدرة على طرح السؤال، وهذا أحد أعظم أدوار الفلسفة.
أما في دار المتوسط فيأتي كتاب “في البدء كانت الحيلة” للباحثة نعيمة بنعبد العالي. هنا لا تُقدّم الحيلة كمفهوم سطحي، بل كمنهج لقراءة الواقع وتأويله، طريقة لقلب العالم وإظهاره معكوسًا كما بدا خلف مرآة أو سطح ماء. الكتاب يقترح عالمًا سرياليًا يرتكز إلى المنطق والعبث في آن واحد، عالم تُقلب فيه الأشياء على رؤوسها وتُقرأ الحياة اليومية بمنظار يتأرجح بين الحلم والعقل، بين الثبات والضياع. “الحيلة” ليست خدعة بصرية فقط بقدر أنها آلية لفهم ما لا يُرى خلف الظاهر؛ إنها فلسفة أخرى، أكثر انحرافًا، أكثر دهشة.
