0%

من بيثارنيك إلى أنيز كولتز.. قصائد لنساء تعبر الحدود وتصل لطاولات معرض العراق للكتاب

بغداد- المدى
عدسة: محمود رؤوف
في أجنحة معرض العراق الدولي للكتاب بدورته السادسة، بدت الشعرية النسوية هذا العام حضورًا لافتًا، لا كمساحة تكميل أو حضور هامشي، بل كصوتٍ عالٍ يتقدّم الصفوف عبر دواوين جاءت من العالم والعراق والمشهد العربي الواسع. تاريخ وتجربة وجرح إنساني مكتوب بلغة امرأة تعرف كيف تحوّل الألم إلى إيقاع والذات إلى قصيدة.
في جناح دار الرافدين تتصدر رفوف العرض «شجرة ديانا» للشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك، أحد أهم الأعمال التي رسّخت صوتها في الشعر اللاتيني الحديث. صدر الديوان عام 1962 ليكون نقطة التحوّل في تجربتها، فقد رأى فيه القرّاء نقاءً لغويًا وشغفًا وجوديًا يلامس الحافة بين الوضوح والانهيار. وصفها أوكتافيو باث بأنها “شرارة متوهجة”، وهذا الديوان – كما يظهر للقارئ – عمل لا يهادن، يخلو من الزيف، ويكتب الألم بلمعة صافية.
ومن النساء اللواتي تركن أثرًا لا يمحى في الشعر العالمي، تحضر سيلفيا بلاث في منشورات الجمل بديوانها المترجم «أكثر من طريقة لائقة للغرق». نصوص بلاث تأتي مثل جروح مفتوحة، تكتب الاكتئاب كحقيقة وليست استعارة، وتحوّل هشاشة الجسد إلى كيان شعري كامل. في هذا الديوان تحديدًا تتجاور الولادة والموت، البيت والقبر، المرآة والهوّة، حيث تنظر الشاعرة إلى العالم بعينين مرهقتين.
إلى جانب ذلك، تصدر عن دار الجمل أيضًا مجلة شعرية نسوية بعنوان «عيون إنانا»، مخصّصة بالكامل لكتابة المرأة. عمل يتخذ من إنانا – رمز الخصوبة والسلطة الأنثوية – بوابة للدخول إلى صوت المبدعة العراقية. الكتاب يلتقط وجوهًا نسائية عراقية خطّت تجربتها في لحظة تتأرجح فيها البلاد بين المجد والانكسار، بين ذاكرة الحضارات ووجع الحاضر.
أما في جناح دار سعاد الصباح، فتتزيّن الرفوف بديوان «خيمة الكلمة القدسية» للشاعرة سعاد الصباح، وهو كتاب يواصل ما بدأته الشاعرة من مزجٍ بين العاطفة والفكر، بين الانتماء إلى التراث والدفاع عن المرأة بوصفها كائنًا حرًا قادرًا على القول. قصائد الديوان تشبه خيمة منصوبة في وجه الريح، تستظلّ بها اللغة حين تتعب، وتبحث داخلها عن معنى لا يذوب في صخب العالم.
وعند الدار ذاته، تمتد التجربة إلى شاعرة أخرى من الخليج العربي هي سعدية مفرح بديوانها «آخر الحالمين». صوتٌ ناعم لكنه حادّ، قصائد تقف عند حدود الحلم والواقع، وتكتب اليومي بلمسة شفيفة تتكئ على التأمل أكثر مما تعتمد الانفعال. نصوص مفرح تُقرأ كرسالة من ذاتٍ تحاول النجاة بالكلمات.
أنيز كولتز شاعرة من لوكسمبورغ، صدر ديوانها «العالم يمشي معي» عن دار خطوط وظلال، عرفت تجربتها الشعرية بلغات متعددة، وانتقلت من الألم إلى الكلمة، من الألم الشخصي إلى الوجدان الكوني. المترجم يقدّم الديوان بوصفه تجربة مزدوجة بين الحُسّ والوعي — قصائد تتداخل فيها الحياة والموت، الذاكرة والفراغ، الذات والغياب. يكتب الناقد أن القصيدة عند كولتز لا تنحني أمام السهل، بل تختار القسوة والرقة معًا: «لغة قاسية كجرح، ناعمة كألم».
بين الأجنحة، يتأكد للزائر أن الشعر النسائي بات إحدى علامات المعرض هذا العام؛ حضور عالمي وعربي وعراقي يتجاور بثراء، ونصوص تكتب الحياة من جهة أخرى، بوجه أنثوي يفتح اللغة مثل نافذة. المرأة لا تقرأ هنا فقط… بل تكتب العالم بقصيدتها.

Scroll to Top