0%

“«مئة نون عراقية”» تختتم فعالياتها كأنطولوجيا ثقافية تتجاوز الأجيال

عبود فؤاد

اختُتمت على أرض معرض العراق الدولي، فعاليات النسخة السادسة، الذي نظمته مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، بعد عشرة أيام حافلة بالكتب والحوارات واللقاءات الثقافية، مؤكداً حضوره بوصفه واحداً من أهم الأحداث الثقافية في العراق والمنطقة. وجاءت هذه الدورة تحت عنوان «مئة نون عراقية»، في احتفاء رمزي وفعلي بالمرأة العراقية المبدعة ودورها في صناعة قرن كامل من الوعي والإبداع في مختلف المجالات الفكرية والثقافية والفنية.
وانطلقت فعاليات المعرض يوم الأربعاء الموافق 12/3، واستمرت حتى 13/3، بمشاركة واسعة ضمت 450 دار نشر عربية وأجنبية، قدّمت ما يزيد على مليون كتاب وعنوان، إلى جانب مئات الإصدارات الجديدة لعام 2025، ما جعل من المعرض مساحة مفتوحة للتنوع المعرفي وملتقى حقيقياً للقراء والكتّاب والناشرين. وشهدت أروقة المعرض حركة نشطة منذ أيامه الأولى، إذ توافد آلاف الزائرين من مختلف الأعمار والاهتمامات، في مشهد عكس تعطشاً واضحاً للكتاب والقراءة في بغداد.
تميّزت هذه الدورة بحضور نسوي لافت، لم يقتصر على الشعار فقط، بل تجسد في الفعاليات والندوات وحفلات التوقيع والمشاركات الفكرية، حيث خُصصت مساحات واسعة للاحتفاء بمنجز المرأة العراقية، سواء في الأدب أو البحث الأكاديمي أو الصحافة أو الفنون. وقد أكدت إدارة المعرض أن اختيار شعار «مئة نون عراقية» جاء بوصفه رسالة ثقافية تسعى إلى إعادة الاعتبار لدور المرأة بوصفها شريكاً أساسياً في تشكيل الوعي الجمعي العراقي، وليس بوصفها حضوراً هامشياً أو تكريمياً عابراً.
واستضاف المعرض نخبة من الأدباء والمفكرين والنقاد من داخل العراق وخارجه، ضمن حضور عربي ودولي واسع، ما منح الفعاليات طابعاً حوارياً غنياً، وأسهم في خلق تفاعل ثقافي عابر للحدود. وتنوّعت الأنشطة بين ندوات فكرية وحلقات نقاشية تناولت قضايا الأدب والفلسفة والتاريخ والهوية، إضافة إلى أمسيات شعرية وفنية، وحفلات توقيع شهدت زخماً لافتاً، خصوصاً للإصدارات الجديدة التي قُدمت لأول مرة ضمن المعرض.
ولم يكن معرض العراق الدولي للكتاب مجرد سوق لبيع الكتب، بل بدا أقرب إلى أنطولوجيا عربية مفتوحة، اجتمعت فيها أصوات وتجارب من مشارب متعددة، ووجد فيها الناشرون والكتّاب والقراء مساحة مشتركة للتواصل والحوار. ومع اقتراب ختام الدورة، بدأ الناشرون العرب بحزم امتعتهم وتحميل كتبهم استعداداً للعودة، بعد مشاركة وُصفت بالناجحة على المستويين التنظيمي والجماهيري، حيث أبدى كثير منهم رضاهم عن حجم الإقبال ونوعية القرّاء وتفاعلهم.
وأشارت إدارة المعرض إلى أن هذه الدورة حققت أهدافها الثقافية، لا سيما في ما يتعلق بتعزيز حضور المرأة في المشهد الثقافي، وتقديم نموذج لاحتفاء يتجاوز الشكل إلى المضمون. وأكدت أن نجاح المعرض لم يكن ليتحقق لولا تعاون دور النشر، ومشاركة المثقفين، وحضور الجمهور، إضافة إلى الجهود التنظيمية التي عملت على توفير بيئة ملائمة للكتاب والقرّاء على حد سواء.
كما شددت المؤسسة المنظمة على أن معرض العراق الدولي للكتاب بات يشكل تقليداً ثقافياً سنوياً راسخاً، يساهم في إعادة بغداد إلى موقعها الطبيعي كعاصمة للثقافة والمعرفة، ويؤكد أن الكتاب ما زال قادراً على جمع الناس حوله، رغم التحولات الرقمية المتسارعة. وأوضحت أن الرهان على الثقافة، وعلى المرأة بوصفها فاعلاً أساسياً فيها، سيظل خياراً استراتيجياً في الدورات المقبلة.
ومع إسدال الستار على النسخة السادسة، غادر المعرض أرض بغداد وهو يحمل في ذاكرته صور قرّاء يتنقلون بين الأجنحة، وكتّاب يوقعون كتبهم، وحوارات امتدت حتى اللحظات الأخيرة، ليبقى «مئة نون عراقية» أكثر من شعار، بل علامة ثقافية تشير إلى أن الإبداع العراقي، نساءً ورجالاً، ما زال قادراً على تجديد نفسه وفتح نوافذ جديدة للأمل والمعرفة.

Scroll to Top