0%

قرّاء يعبرون القارات بين الرفوف… أدب الرحلات يفتح خرائط الزمن أمام زوار المعرض

عبود فؤاد
عدسة: محمود رؤوف
بدا واضحاً في معرض العراق الدولي للكتاب هذا العام حضور نوع أدبي يثير الخيال ويفتح بوابات التاريخ والجغرافيا معاً، هو أدب الرحلات. حيث اجتمعت بين أجنحة المعرض كتب لا تُقرأ فقط، بل تُسافر بالقارئ عبر القارات والعصور، وتضعه في قلب المدن القديمة والصحارى البعيدة، وتجعله شاهداً على اكتشافات وحروب ولقاءات وشخصيات صنعت ملامح العالم.
أول ما يمكن للزائر أن يلتقطه من هذا التنوع، كتاب مدينة في الرمال الصادر عن منشورات النهضة العربية، الذي تقدّم فيه الباحثة البريطانية الشابة ماري تشب حكاية اكتشاف إشنونا السومرية في ديالى أواخر عشرينيات القرن الماضي. ست سنوات من التنقيب تحت إشراف بعثة جامعة شيكاغو، توثقها الكاتبة باندهاش اكتشاف أولى التماثيل والنقوش السومرية، وتكتب تفاصيل الرحلة.
وعلى الرف ذاته من الدار نفسها، يعثر القارئ على الواحات المفقودة لأحمد محمد حسنين بك، وهو عمل لا يقل إثارة، حيث يروي الرحالة المصري رحلته على ظهر الجمل عام 1923 لمسافة تقارب 3500 كيلومتر، من سلوم شمال مصر وصولاً إلى السودان عبر سيوة والكفرة وما بعدها. رحلة محفوفة بالموت والزمن، انتهت باكتشاف واحات أركنو والعوينات، وبانبهار الرحّالة حين رأى نقوش الأسود والزرافات والغزلان التي أثبتت وجود حضارة بشرية عمرها عشرة آلاف عام قبل أن تبتلعها الرمال.
ومن منشورات المتوسط يلفت النظر كتاب رحلة مكة 1880–1881 لمراد ميرزا الأمير القاجاري، وهي يوميات حج تتجاوز الطابع الديني لتصبح وثيقة سياسية وجغرافية مهمة. يسافر الأمير عبر روسيا وتركيا ومصر فالحجاز والشام، مستقبلاً من السلاطين والملوك بصفته أحد أعمدة الدولة القاجارية. رحلة طويلة تقطع ثلاث قارات.
وفي السياق ذاته يأتي كتاب رحلة فولني إلى مصر وسوريا، الذي اعتُبر من أبرز ما كتبه الرحّالة الأوروبيون عن الشرق. تكمن قوّة هذا العمل في أنه لم يكن سرداً سياحياً عابراً، بل دراسة ميدانية للمدن والسياسة والاقتصاد والمجتمع تحت الحكم العثماني. حتى أن يوميات فولني كانت فيما بعد مصدر استلهام لنابليون خلال حملته نحو مصر.
وعلى مقربة من هذه الكتب، تصدر منشورات عدنان عملاً يوصف بأنه الأوسع في التأريخ لمدينة بغداد، هو كتاب بغداد مدينة السلام لريجارد كوك. لا يكتفي هذا العمل برصد الحوادث السياسية، بل يستعرض الحياة اليومية في العاصمة عبر 12 قرناً: الأسواق، الأزقة، الجسور، المدن داخل المدينة. إنه كتاب يقيم جسراً بين تاريخ بغداد وصورتها الحديثة.
وتكتمل صورة الرحلات التاريخية مع كتاب إلى بلاد ما بين النهرين، مذكرات الكونت دو شوليه الذي وصل العراق عام 1891 قادماً من القسطنطينية في مهمة عسكرية – استخبارية لتقييم وضع الدولة العثمانية. عبر أنقرة، أرضروم، ديار بكر والموصل وصولاً إلى بغداد ثم إلى حلب.
ولا يخلو الجناح العربي من صوت أنثوي حديث، يتجلى في كتاب هوامش في المدن والسفر والرحيل لعائشة سلطان عن الدار المصرية اللبنانية. هنا لا تتقدّم الخرائط ولا وصف الطرق، بل تتقدم العين والذاكرة والانطباع. الكاتبة تسافر بالقارئ من دبي القديمة إلى القاهرة وبيروت وبراغ وفينيسيا وإسطنبول.

Scroll to Top