تبارك عبد المجيد
في أجواء يملؤها عبق الكلمة وإيقاع اللحن، اختتم معرض العراق الدولي للكتاب يومه الأول بمزيج فريد من الإبداع والاحتفاء بالثقافة، تحت شعار “من قلبي حروف لبيروت”. هذه الرسالة التي تحمل بين طياتها مشاعر التضامن والمحبة، ترجمتها أنشطة المعرض المختلفة لتجسد روح التواصل الإنساني بين بغداد وبيروت.
واختتم اليوم بعرض مسرحي عنوانه “أمسية فنية مع صوت المثقف الفنان أحمد قعبور”، الذي أضاف بوجوده بعدًا فنيًا رفيعًا لهذا الحدث الثقافي. صعد قعبور على خشبة المسرح ليقدم عرضًا يجمع بين الأغنية الملتزمة والموسيقى المفعمة بالروح، محولًا الأمسية إلى لوحة فنية تنبض بالوجدان والإنسانية. تناغمت كلمات أغانيه العميقة مع الألحان الحية، لتلامس قلوب الحاضرين وتجسد معاني الفن الهادف كوسيلة للتواصل والارتقاء.
أحمد قعبور.. ذاكرة النغم والكلمة
في حديث ملهم استعاد الفنان أحمد قعبور ذكريات تلحينه واحدة من أكثر الأغاني التي أصبحت رمزًا للنضال والتضامن الإنساني، وهي أغنية “أناديكم”. يقول قعبور إن قصة تلحين الأغنية بدأت في ليلة صاخبة بالقصف، حين قرر المبيت برفقة ديوان شعري. جلس تحت ضوء شمعة وقرأ الكلمات التي أيقظت في داخله رغبة عميقة في استكشاف آفاق جديدة.
يتابع قعبور حديثه قائلاً: “وجدت نفسي ألحّن تلك الكلمات الديوانية التي قرأتها في الديوان. وعندما عدت إلى البيت وعزفت اللحن لوالدي، قال لي: أنت مش عارف شو عامل! اجعل للحن نبضًا يمس الناس، فهو نبض الوجع”. بهذه الكلمات بدأ اللحن يتشكل بروحه الخاصة. لم تمر سوى 48 ساعة حتى كان قد أكمل تلحينه، وكانت أول مرة غناها في مستشفى الميدان وسط الجرائم والدمار. يستذكر قعبور تلك اللحظة، قائلاً: “حتى في المستشفى، تفاجأوا بما نفعل، من هذا الذي يحمل العود؟.. وكان الجمهور الأول لتلك الأغنية كان الجرحى الذين استمدوا منها قوة وأملًا رغم الألم”.
كلمات الأغنية التي ألقاها في الأمسية كانت:
“أناديكم
أشد على أياديكم
وأبوس الأرض من تحت نعالكم
وأقول أفديكم
وأهديكم ضياء عيني ودفء القلب أعطيكم…”
بهذا الحضور المليء بالوجدان، نجح أحمد قعبور في نقل الأغنية اللبنانية الملتزمة إلى بغداد، ليجمع بين إرث بيروت وبغداد في رسالة حب وسلام.
من هو أحمد قعبور؟
أحمد قعبور هو واحد من أبرز الفنانين اللبنانيين الذين حملوا على عاتقهم رسالة الفن الملتزم. اشتهر بأغانيه التي تمزج بين الشعر والموسيقى الهادفة، والتي أصبحت مرآة لمعاناة الناس وأحلامهم. ليس فقط موسيقيًا، بل هو صوت المثقف الذي يضع الكلمة في خدمة القضايا الإنسانية.
رسالة من بيروت إلى بغداد
في زيارته الأولى إلى بغداد، أعرب قعبور عن سعادته الغامرة بحضوره إلى عاصمة الثقافة العراقية، واصفًا اللقاء بأنه محطة هامة في مسيرته. أشار إلى أن بغداد طالما كانت طريق الأغنية من بيروت، متحدثًا عن شعرائها الذين تغنى بهم الفن العربي.
واختتم قعبور حديثه بتحية مؤثرة لكل من عانوا من ويلات الحرب، والقهر، وغياب فرص العمل، قائلاً: “أشد على أياديكم، وأقول إن رسالتي هي لكم جميعًا”.