عبود فؤاد
بيروت مدينة التناقضات، حيث يختنق دفء الحياة وغناء الجمال وذكريات الموت بسبب الدمار المتكرر الذي شهدته، مدينة تمتزج بها حرارة الحياة وبساطة الجمال.
وعلى الرغم من الصعوبات التي أعقبت العصر الحديث، ظلت بيروت مركزًا لحنين الشعراء، وملاذًا لأجواء شعرية كثيفة، كل منهم يتغنى بكلماته الغنائية وعاطفته للمدينة وسكانها.
ارتبط نزار قباني بعلاقة خاصة ببيروت، حيث لقيت زوجته بلقيس مصرعها في التفجير الذي هز السفارة العراقية في بيروت، مما أسهم في تكوين صورة عاطفية مشحونة للشاعر السوري تجاه المدينة التي عاش فيها وأحبها وفقد فيها حبيبته.
في قصيدته “بيروت والحب والمطر” يقول قباني:
“ليس للحب ببيروت خرائط/لا ولا للعشق في صدري خرائط../فابحثي عن شقة يطمرها الرمل../ابحثي عن فندق لا يسأل العشاق عن أسمائهم.
/فإن الحب في بيروت مثل الله في كل مكان”.
ضل قباني اسير بيروت وبقت قصيدته تتغنى بهذه المدينة التي سحرت الكثير ممن الشعراء واصبحت ملاذا للكثير منهم.
افتتح الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدته الشهيرة “في مديح الظل العالي” برثاء بيروت التي شهدت فترات من أهم حياة درويش، قبل أن يغادرها متجنبا حربا أهلية شرسة واجتياحا إسرائيليا لها.
وقال درويش في قصيدته:
“بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. خريفُنا يدنو من الأبوابِ…/بحرٌ للنشيدِ المرِّ. هيَّأنا لبيروتَ القصيدةَ كُلَّها./بحرٌ لمنتصفِ النهارِ/بحرٌ لراياتِ الحمامِ، لظلِّنا، لسلاحنا الفرديِّ”.
شاعر العرب الاكبر “محمد مهدي الجواهري” اهتم بالقضية اهتماماً كبيراً عبر توظيف المكان باعتباره مسرح الصراع وفق العلاقة الجدلية بين سكانه الأصليين والاحتلال، وتصوير ملامح المقاومة والكفاح تصويراً فنياً جمالياً عبر استخدام شتى أنماط الصور البيانية والرموز التاريخية والدينية والطبيعية واللونية لرفض الواقع والتحريض على مقارعة العدو الصهيوني.
في قصيدة له بعنوان “جللٌ مصابُك يا بيروت يبكيــنا” يقول:
جللٌ مصابُك يا بيروت يبكيــنا/يا أخت بغـــداد ما يؤذيك يؤذينا /ماذا أصابك يا بيروت داميـــة/والمــوت يخطف أهليك وأهلينا /داران من قزّ يا بيروت إن لنا/ …لاشـكّ تسـكنُ بعضيها شياطـينا /عضّي على الجرح يا بغداد صــابرةً … بيروت تعـــــرفُ ما فيها وما فينا /بيروتُ تعرفُ من بالروعِ يفجـــــعنا …/علـــم اليقين وكأس الموت يسقينا /نادي بنيكِ وقصّـــي بين أظهرهـــم/ضفائر الطــهر أو حتى الشرايينا/عضّي على الجرح يا بغداد واتعظي … من أحرق الأرز لن يسقي بساتينا.
يرى الجواهري في هذه القصيدة ان ما يؤذي بيروت، يؤذي بغداد، مؤكدا ان من خلال القصيدة، ان الشاعر الحقيقي يجب ان يكون لديه صوت عالي لكل الظلم الذي يحدث في العالم وان يكون صوت الذين لا صوت لهم.