تبارك عبد المجيد
في أجواء حملت عبق الثقافة والإبداع، أسدل معرض العراق الدولي للكتاب الستار على يومه الثامن بفعالية مميزة حملت عنوان “مبادرة دعم السينما.. رؤية ستراتيجية لقطاع السينما في العراق”، حيث اجتمع المهتمون بالشأن الثقافي والسينمائي في ندوة حوارية استضافت الأستاذ مهند حيال، وتولى إدارتها الأستاذ وارث كويش، مقرر وعضو لجنة المبادرة.
بدأت الجلسة بترحيب حار من وارث كويش، الذي وصف حيال بأنه “خير من يمثلنا نحن كشباب”، مشيداً بجهوده ورؤيته، وأشار إلى أهمية المبادرة الحكومية لدعم الشباب في إنتاج أفلام عراقية تعكس طموحاتهم وأحلامهم.
قراءة في واقع السينما العراقية
استهل مهند حيال حديثه بالتساؤل يطرح كثيرا حول غياب صناعة سينمائية متكاملة في العراق مقارنة بدول الجوار. وأرجع ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها ضعف الموارد البشرية والمالية وغياب قطاع خاص يحتضن السينما. وأضاف بحسرة: “نحن نعاني من ندرة المخرجين السينمائيين والكتاب، لكن المشكلة الكبرى تكمن في غياب المخرجين السينمائيين المؤهلين”.
وأشار حيال إلى أن السينما في العالم تعتمد على القطاع الخاص، بينما كانت السينما على مر التاريخ تحت رحمة الأنظمة الشمولية التي احتكرت الإنتاج لصالح السلطة، مما شوه مفهوم المنتج السينمائي وحصره في زاوية ضيقة لا تخدم الإبداع ولا تدعم الفن.
استذكر الحيال تجربة وزارة الثقافة في عام 2018، عندما خصصت مبلغاً مالياً لإنتاج فيلم سينمائي واحد. لكنه، وبالتعاون مع الوزارة، اقترح استثمار هذه الميزانية لإنتاج خمسة أفلام بدلاً من واحد. الهدف لم يكن فقط إنتاج أفلام، بل وضع لبنة أولى لتأسيس قطاع خاص قادر على النهوض بالسينما العراقية وفق مفاهيم حديثة.
وأوضح أن التجربة كانت تسعى لتجاوز فكرة “الفيلم الواحد”، الذي غالباً ما كان ينتهي مرتبطاً بالأنظمة الشمولية، وبدلاً من ذلك ركزت على خلق بيئة تدعم السينما المستقلة وتفتح آفاقاً جديدة أمام الشباب المبدعين.
مظلة قانونية للسينما
من جانبه، أوضح وارث كويش أن العراق يواجه مشكلة أساسية تتعلق بغياب مظلة قانونية للسينمائيين، وهو ما يعيق تقدمهم ويمثل عائقاً أمام تعريفهم وهويتهم على الساحة الدولية. وقال: “مبادرة دعم السينما ليست مجرد منحة مالية تُمنح للمشاريع، بل هي رؤية استراتيجية تستهدف خلق بنية تحتية متكاملة للسينما في العراق”.
وأشار إلى أن المبادرة ستدعم 42 مشروعاً سينمائياً، مع الالتزام بتحقيق فائدة مستدامة وعدم توقف المشاريع عند حدود الدعم. كما أكد أن أحد شروط المبادرة هو أن تكون 80% من فرق العمل في هذه المشاريع من العراقيين، وأن يتم التصوير داخل العراق، لتعزيز الهوية السينمائية الوطنية.
آفاق جديدة وفرص للشباب
بالتزامن مع الحديث عن التحديات، كانت هناك ملامح تفاؤل واضحة في كلمات حيال، الذي أكد أن المبادرة توفر ما يقرب من 1200 فرصة عمل سنوياً، مع تقسيم المنحة إلى ثلاث فئات مالية لدعم المشاريع المختلفة، وأشار إلى ان المبادرة تشترط ان يكون ٨٠ في المئة من العاملين هم عراقيون وان تكون مواقع التصوير داخل العراق بنسبة ٨٠ في المئة.
وأوضح حيال أن السينما ليست مجرد عمل إبداعي فردي، بل تتطلب جهود فريق كبير، حيث يحتاج كل فيلم سينمائي إلى ما لا يقل عن 200 شخص بين طاقم فني وإداري. وأضاف: “إذا تمكنا من إنتاج ثلاثة أفلام جيدة سنوياً، فسيكون هذا إنجازاً كبيراً، ونكون بذلك قد وضعنا أساساً قوياً لصناعة سينما عراقية”.
اختُتمت الندوة بنقاشات مفتوحة أظهرت تفاعلاً كبيراً من الحضور، الذين أعربوا عن تفاؤلهم بمستقبل السينما العراقية إذا ما تم تنفيذ هذه المبادرة بحرفية وشفافية.