
الفنون الجميلة بين الرصافة الثالثة والكاظمية
محمد فاضل
عدسة: محمود رؤوف
في قلب بغداد، ومعهدان للفنون الجميلة يقدمان لروادهما تجربة فريدة تجمع بين الإبداع والفن والمسرح، بين الرصافة الثالثة والكاظمية. هنا، يتحول الطالب إلى صانع للون والحروف، ويقدم المسرحي عروضاً ليتنافس بين باقي الفروع والاقسام، ويصنع المصمم الأزياء التي تحكي تاريخ الشعوب.
حسين سلام حسين، طالب في معهد الفنون الجميلة – الرصافة الثالثة للبنين (الصباحي)، يقدّم فناً فريداً بعنوان «كرلمة بالخط الفارسي»، حيث يقوم بوضع مجموعة من الحروف والألوان بشكل عشوائي لتظهر بشكل جذاب ومميز. يستخدم حسين الأحبار والألوان الزيتية الفاتحة ويبرز الحروف بألوان فاقعة تجذب الأنظار. يقول حسين: «تعلمت هذا الفن في المعهد منذ ثلاث سنوات، وقبل ذلك كانت لدي موهبة أكيد. من أكبر التحديات التي نواجهها كطلاب هو أن جميع المواد والألوان نشتريها بأنفسنا، ومعظم الطلاب لا يعملون لذلك يصعب علينا تأمين كل المستلزمات.»
أستاذ عدنان حمد يوضح أن المعهد يقدم عروضاً مسرحية، منها مسرحية «اللحاد»، وورشاً للخط العربي للمرحلة الثالثة، لطلاب قسم الخط والمسرح والفنون التشكيلية. ويضيف: «التحديات التي نواجهها كتدريسيين داخل المعهد، خصوصاً في مدينة الصدر المشهورة بمبدعيها، كبيرة. البناية غير مؤهلة لاستيعاب معهد الفنون لأنها مدرسة ابتدائية مشتركة مع المعهد بنظام الدوامين، ونحتاج قاعات فنون متنوعة. موقع المعهد غير سليم والواجهة غير مؤهلة، كما أن التخصيصات المالية ضعيفة جداً، لذلك غالباً ما يقوم الأساتذة أو الطلاب بتجهيز أعمالهم بأنفسهم. نحتاج دعم ووجود بناية خاصة للمعهد، ولدينا جيل مبدع سيكون له مستقبل مشرق.»
الأستاذ محمد رياض، أستاذ قسم المسرح (التمثيل)، قدم اليوم عروضاً مسرحية متنوعة، منها عرض «أزياء شعراء العرب» الذي شارك فيه طلبة المرحلة الرابعة بالإخراج والتمثيل. كما قدم العرض الثاني بعنوان «الحكواتي»، وهو قصة موجهة لطلاب المدارس الابتدائية وتحتوي على عبرة تربوية. ويشير الأستاذ رياض إلى أن الدعم المعنوي أهم من الدعم المادي، لأن الطلبة مجتهدون ويحبون المسرح والفن. وأضاف: «لدينا أسماء واعدة مثل مصطفى محمد، علي عدي، مهدي، ومن طلبة المرحلة الأولى عبد الله مهند، وهم شعلة من المبدعين، سيكون لهم مستقبل جميل.»
بتول بشير عزيز، أستاذة التصميم الطباعي – الرصافة الثالثة، أشارت إلى مشاركة الطلاب بلوحات وأعمال فنية، منها الخط ورسم شخصيات عراقية مثل الجواهري. وأضافت: «التحديات التي نواجهها في معهد الرصافة الثالثة كثيرة، فقلة الخدمات تضطر الطلبة لتوفير كل شيء بأنفسهم، حتى الستاندات والقاعات غير مؤهلة. لكن لدينا أساتذة وطلبة مبدعون، من الممكن أن يصبحوا أسماء لامعة في المستقبل، رغم أن الفنانين لا يحبون الأضواء.»
أستاذ نزار، مدير معهد الفنون الجميلة – الرصافة الثالثة، أشار إلى أن العروض اليوم شملت قسم الأزياء «شعراء العرب»، مسرحية «اللحاد»، وورشة للخط والرسم التشكيلي، وقد نالت إعجاب الحضور. وقال: «بدأنا بالزي العربي الذي نفخر به، ثم انتقلنا للزي الكردي والأزياء التاريخية المتنوعة. مدينة الصدر ولادة للمبدعين، وطلابنا من المرحلة الثالثة يبيعون لوحاتهم حتى قبل الوصول للمرحلة الخامسة. نحن أبطال ولن نشتكي، ومنذ تأسيس المعهد شاركنا في مهرجانات عدة.»
نور الهدى يونس، مخرج مسرحي بمعهد الفنون الجميلة للبنين – الرصافة الثالثة، أضاف: «قدمنا عروض أزياء رومانية، آشورية، يونانية، وزي وادي النيل الصحراوي والفرعوني، بالإضافة للأزياء الكردية والعربية، وهذه كلها جزء من العملي للطلبة.»
اما بالنسبة لمعهد الفنون الجميلة – الكاظمية
فتوضح أطياف رشيد مجيد، رئيس قسم الفنون المسرحية، أن المعهد في منطقة الكاظمية التي تعتبر مغلقة دينياً، إلا أنها تحتضن مبدعين كثيرين ويتمتعون بحرية فكرية. وأضاف: «70% من طلابنا يأتون ليصبحوا معلمين، لكن عندما يشاهدون التفاعل بين الأستاذ والطالب، خصوصاً في المسرح، يكمل الكثير منهم بعد التخرج في كلية الفنون الجميلة للتخصص في أقسامهم. طلابنا مبدعون من الأول للخامس، لديهم روح المبادرة والإبداع، وأتمنى أن تُضاف أقسام جديدة مثل السمعي والمرئي، ونحتاج إلى صفوف إضافية لتطوير مهارات الطلاب، خاصة في قسم المسرح حيث لدينا قسمان (تمثيل وإخراج) يمتدان حتى المرحلة الخامسة، لذا نحتاج ستة صفوف إضافية. جهودنا وجهود الطلاب جعلت قسم المسرح والفنون التشكيلي والزخرفة والتصميم جيدة جداً.»
د. مروة شاكر الشيباني، مسؤولة مادة الأزياء واختصاص فلسفة التربية الفنية، قدمت عرض أزياء بعنوان «شعراء العرب»، يغطي فترات زمنية مختلفة (الجاهلية، الإسلام، التاريخ الحديث المعاصر)، وأضيفت له عناصر التمثيل والصوت والإلقاء. وقالت: «عرفنا المقابل بنوع الزي لكل فترة، وأبرزنا أشهر الشعراء وأبياتهم المميزة. جميع الأزياء كانت من صنع الطلبة، من التصميم إلى اختيار اللون والدانتيل، كجزء من المادة العملية والنظرية.»
علي عدي كاظم، طالب قسم الإخراج بالمسرح، شارك اليوم بتمثيلية «شعراء العرب» مع إبراز أهم أبياتهم الشعرية. وقال: «التحديات كبيرة، رغم دعم أساتذتنا، إلا أن إمكانياتنا محدودة فنحن لا نستطيع توفير جميع المستلزمات بجودتها المطلوبة. سأواصل دراسة الفنون المسرحية بعد التخرج لأنني أحب التمثيل والإخراج ولدي خيال واسع أرغب في توظيفه.»
د. برلين كاظم مفتن، مدرسة التقنيات المسرحية، شاركت بمعرض بغداد الدولي من خلال رسم وجوه الطلبة بالورود والنجوم والأشكال البسيطة، مؤكدة أن واجبها هو تنمية مهارات الطلبة وإضفاء لمسة جمالية على أعمالهم.
