بغداد / المدى
في عالم تزداد فيه الانقسامات وتتسع فيه الهوة بين الأفكار، تبقى القراءة نافذة أمل تُطلّ بالقارئ على عوالم جديدة، قادرة على كسر القيود الفكرية وصقل التوجهات.
اعترف الشاب أحمد السالم، بصراحة مؤثرة خلال حديثنا معه عن تأثير الكتب في تشكيل وجهات نظره، خاصة ان كان يحمل مقتنيات كثيرة من الكتب. قبل سنوات كان يحمل أفكارًا متطرفة تجاه المذاهب الأخرى، وكان يرى العالم من منظور ضيق لا يقبل الاختلاف. لكن نقطة التحول في حياته جاءت بمحض الصدفة، عندما اقترح عليه أحد أصدقائه قراءة رواية تسلط الضوء على شخصيات تضررت من الطائفة التي ينتمي إليها.
يقول أحمد: “في البداية كنت مترددًا، وقلت لنفسي: ما الذي يمكن لرواية أن تضيفه لي؟ لكن حينما بدأت في قراءتها، شعرت أنني أخوض رحلة مختلفة. الرواية نقلتني إلى عوالم أشخاص لم أكن أفكر فيهم يومًا، أناس يعانون ويشعرون بنفس المشاعر التي أشعر بها. أدركت أن لكل قصة وجهات نظر متعددة، وأن الحقيقة ليست دائمًا كما تبدو من زاويتي فقط. عندها بدأت أتساءل: ماذا لو كان ما أؤمن به جزءًا من رواية أكبر لا أعرف كل تفاصيلها؟”
يتحدث عن لحظة الإيقاظ التي عاشها بعد قراءة الرواية، حيث يقول: “شعرت أن تلك الأفكار التي كنت أتمسك بها ليست إلا انعكاسًا لخطابات سياسية أرادت أن تبني الحواجز بيننا، وليس الجسور. اكتشفت أن الكتب يمكن أن تكون أعظم سلاح لتفكيك تلك الأفكار، لأنها تسمح لك بأن ترى العالم بعيون الآخرين. الرواية لم تكن مجرد كلمات على ورق، بل كانت نافذة فتحت عيني على حقيقة لم أكن أراها.”
ويضيف بشغف: “الكتاب لديه قدرة عجيبة على أن يغير الإنسان من الداخل. إنه ليس مجرد أداة للمعرفة، بل وسيلة لزرع التعاطف وإعادة تشكيل القناعات. الشباب اليوم بحاجة إلى هذه القوة التي تكسر الحواجز وتفتح الأبواب لفهم أعمق وأشمل. إذا استطاعت رواية واحدة أن تغيّر حياتي، فتخيلوا ما الذي يمكن أن تفعله مكتبة كاملة. واكد، ان “الكتب لها القدرة في بناء وصقل هويات الافراد”.
تظل القراءة وسيلة أساسية لتشكيل ثقافة الشباب وتوجهاتهم، سواء الدينية أو السياسية أو الفكرية. هذا ما أكده هيثم حسن، مدير دارك للنشر والتوزيع من مصر، الذي سلط الضوء على أبرز اهتمامات الشباب القرائية وتأثير الكتب على تشكيل وعيهم.
رغم هيمنة التكنولوجيا ووسائل الترفيه الرقمية، يرى حسن أن بقاء عادة القراءة بين الشباب يعد إنجازًا بحد ذاته. يتطرق هيثم إلى التأثير العميق للقراءة على تكوين شخصية الشباب وأفكارهم. “التوجهات هي عبارة عن ثقافة”، مشيرًا إلى أن الكتب تتيح للشباب التعرف على ثقافات عالمية مختلفة، مثل الثقافتين الألمانية والروسية. هذه الاطلاع ينعكس على شخصية القارئ، حيث يكتسب أفقًا أوسع ووعيًا أشمل بالتوجهات المختلفة.
من خلال اطلاعه على ثقافات متنوعة، يصبح الشاب قادرًا على تحليل أفكاره وتوجهاته بشكل أعمق. يؤكد حسن أن “القراءة هي محرك كل شيء”، فهي لا تقتصر على التسلية أو التعلم فحسب، بل تسهم في بناء جيل واعٍ يستطيع مواجهة التحديات الفكرية والثقافية.