0%

حين تُقرأ الشاشة.. حضور لافت لكتب السينما في معرض العراق الدولي للكتاب

عبود فؤاد
يواصل معرض العراق الدولي للكتاب تقديم حضور نوعي لكتب السينما، حيث يشهد هذا العام تنوعًا لافتًا في العناوين النقدية والتنظيرية، ما يتيح للقارئ فرصة الاقتراب من التجربة البصرية عبر مفاهيم الفلسفة، جماليات الصورة، وحوارات كبار المخرجين. اللافت أن الإصدارات الحاضرة لا تكتفي بتقديم السينما بوصفها صناعة ترفيهية، بل بوصفها مجالًا معرفيًا وفكريًا واسعًا، قابلًا للبحث والتأويل والاختلاف، وبإمكانه أن يجاور الفلسفة والفن التشكيلي والأدب في طاولة واحدة.
تتقدم مشهد هذه الإصدارات منشورات المتوسط بكتاب فلسفة السينما للمؤلف محمد أشويكه، وهو عمل فكري يضع القارئ أمام أسئلة جوهرية حول مفهوم الصورة في تاريخ الفن، ومحاولة فهم كيف طوّرت السينما لغتها بوساطة الفلسفة. يتناول الكتاب العلاقة بين إيمانويل كانط وستـانلي كافل، وكيف يمكن لقراءتهما الجمالية أن تمنح السينما أفقًا تحليليًا جديدًا. يقسم المؤلف كتابه إلى قسمين، الأول يُضيء على مرتكزات الإستطيقا عند كانط وتأثيرها في تحليل الصورة، بينما يذهب الثاني إلى الأسس النظرية والتطبيقية عند كافل، مقترحًا مقاربة تجعل السينما خطابًا يمكن التفكير من داخله لا مجرد وسيلة عرض.
ومن الإضافات ذات القيمة النظرية في المجال نفسه، يتواجد كتاب الشكل الفيلمي لسيرجي أيزنشتاين عن منشورات المتوسط أيضًا، ويُعد من النصوص المرجعية التي شكلت أساس التفكير السينمائي الحداثي. فالكتاب يستعيد التجربة السوفييتية التي قلبت مفهوم الفيلم، محوّلة إياه من «قصة تُروى» إلى بنية بصرية تتولد دلالاتها من المونتاج، الإيقاع، والتجاور الذهني بين اللقطات.
أما كتاب الطريق إلى السينما الكونية للمؤلف حسن الححيلي، الصادر عن دار جسور بالتعاون مع جمعية السينما، فيتجه نحو قراءة أبعد، حيث يتناول فكرة السينما الكونية لا بوصفها إنتاجًا عالميًا بل كمنظور فلسفي يدمج الضوء بالحركة، الواقع بالحلم. يتوقف الكتاب عند تجربة لويس بونويل باعتباره مثالًا على السينما المنفتحة على المطلق، ويستعرض أفلامًا مثل كلب أندلسي وشبح الحرية وفيرديانا، محللاً علاقتها بالسريالية وباللاوعي البشري. كما يستعيد مبادئ مخرجين شكلوا بنية الوعي السينمائي مثل أيزنشتاين وأورسن ويلز وبريسون، مقدمًا رؤية نقدية تتجاوز التقنية إلى المعنى الروحي للشاشة.
وتستكمل دار جسور حضورها بكتاب الجمالية في السينما ليزيد السنيد، وهو عمل يطرح سؤال الفن السينمائي من زاوية فلسفية بحتة. ينطلق من رفض الجماليات القائمة على التسليم القبلي، معلنًا ضرورة بناء نظرية جمالية تجريبية مستقلة. في فصلين متكاملين يناقش الكتاب فكرة الجمال كمنظور معرفي.
ومن الإصدارات الملفتة كذلك كتاب فدريكو فلليني – حوارات الصادر عن دار خطوط وظلال، وهو عمل يكشف عبر حوار مطوّل أجراه الناقد جيوفاني جرازيني ملامح العالم الداخلي لأحد أعظم المخرجين في تاريخ السينما. يتحدث فلليني عن الطفولة، المخيلة، والعلاقة بين الواقع والحلم، مقدمًا رؤية تكاد تكون مرجعًا لفهم أفلامه كحالات إنسانية معقدة لا كمتن بصري مجرد.
كما تضم المجموعة كتاب السينما التسجيلية: الدراما والشعر لعدنان مدانات عن خطوط وظلال، والذي يتعامل مع الفيلم التسجيلي بوصفه فنًا لا مجرد وسيلة توثيق، مستكشفًا تحولات الجماليات الوثائقية وتحليل نماذج فيلمية عربية وعالمية، مركزًا على الشعر المختبئ في الصورة.

Scroll to Top