تبارك عبد المجيد
شهد اليوم الأول لمعرض العراق الدولي للكتاب نشاطًا ثقافيًا مميزًا تمثل في ندوة بعنوان “مع الفلكلور العربي بين بغداد وبيروت”، التي استقطبت نخبة من الباحثين والمتخصصين في التراث الشعبي. ركزت الندوة على استكشاف دور الفلكلور في تعزيز الهوية الثقافية المشتركة بين المدينتين، إضافة إلى تسليط الضوء على الجوانب التاريخية والفنية التي تربط التراث الشعبي العربي.
في بداية الندوة جرى الحديث عن انه ليس كل مدينة يمكنها الاستمرار بالحياة، ولا كل مدينة تجيد المطاولة. من حسن حظنا أن بغداد عصية على الموت، كما هي بيروت.
بعدها جاء الدوري على د.صالح زامل، الباحث المتخصص في مناهج النقد الأدبي والسرديات ورئيس مؤسسة شناشيل للتراث الإنساني، والذي اشار إلى “اهمية الفلكلور كوسيلة لاستعراض الهويات الثقافية”.
قال زامل ان “الفلكلور أحد الموضوعات المهمة عالميًا. هو ليس مجرد إرث ثقافي، بل يعد روح الأمم ووسيلة لتعريف هوياتها”.
وأوضح أن الفلكلور ليس مفهومًا حديثًا تمامًا، إذ سبقه اهتمام بالعادات والتقاليد، كالأزياء الشعبية والأمثال والأشعار التي تُعد جزءًا من الحياة اليومية.
وبين أن المجتمع يخضع دائمًا للتغير والتطوير، حيث تتحول بعض التقاليد القديمة إلى فلكلور مع مرور الزمن، مثل تحول زي “الصاية والعباية” الرجالي إلى جزء من التراث وليس الواقع الحالي.
كما ذكر زامل أن العراق أسس بشكل مؤسسي لجمع وحفظ الفلكلور منذ عام 1959، عندما تبنته إحدى الوزارات الحكومية ضمن مشروع لجمع الأشعار والدارميات والعادات والتقاليد السائدة في البلاد.
وتابع: “المساحة الجغرافية تلعب دورًا كبيرًا في تنويع وتحديد ملامح الفلكلور، حيث تتأثر التقاليد والعادات بطبيعة البيئة الاجتماعية لكل منطقة”. وأضاف: “رغم الاهتمام بالفلكلور منذ الخمسينيات وحتى اليوم، لا يزال العراق يفتقر إلى أرشيف وطني شامل يوثق هذا التراث. للأسف، فقدنا جزءًا كبيرًا منه، خاصة بعد عام 2003، نتيجة الظروف التي مرت بها البلاد”.
د.عقيل حبيب، الباحث في علم النفس وعضو اتحاد الأدباء، أشار إلى أن مصطلح “فلكلور” غير عربي الأصل، ويعني الحكمة أو المعرفة الشعبية.
وأوضح أن التراث البغدادي تأثر بشكل كبير بفترات تاريخية مختلفة، مثل الحقبة العثمانية، والتي انعكست على القصص الشعبية والأمثال المتداولة حتى اليوم.
وأضاف: “التراث الإسلامي كان عاملًا موحدًا للقيم الثقافية، حيث دمج عناصر متعددة تحت مظلته، مما أغنى المشهد الثقافي في بغداد وبيروت على حد سواء”.
وبين أن “الفلكور يتطلب جهود مؤسسات، لا جهود فردية، الذي يعتمد على ذاكرة فرد واحد”.
تناولت الندوة أيضًا تأثير البيئة الاجتماعية والسياسية في تشكيل الفلكلور. وأشار المشاركون إلى خصوصيات كل مدينة، وكيف أثرت هذه البيئة على تطور التراث الشعبي فيها، مما ساهم في إثراء الهوية الثقافية العربية عمومًا.