عبود فؤاد
يجيء معرض العراق الدولي للكتاب بدورتهِ الخامسة كضرورةٍ ثقافيةٍ وإبداعيةٍ ومعرفية، حاملاً شعار “من قلبي حروف لبيروت”.
لعقود طويلة، كانت بيروت منارة العالم العربي وفضاء حرياته وإبداعه ومختبر ثقافاته، فقد جذبت إليها المفكرين والروائيين والشعراء والمسرحيين والفنانين التشكيليين.
ليس عبثاً ان النخلة هوية العراق فقد كان الآشوريون يقدّسون أربعة رموزاً دينيّة وإحداها النخلة ، وليس عن عبث أُطلق اسم “بلاد الأرز” على لبنان لا سيما أن هذه الشجرة المعمّرة تتشابك مع هوية اللبنانيين، ولكون الأرز جزء من هوية اعتادوا رؤيتها على علم لبنان كما على وثائق رسمية يحملونها أينما ذهبوا.
كانت بيروت بتنوعها ورحابتها رئة العالم العربي وبقعة ضوئه، وملجأ أولئك الهاربين من اضطهاد أنظمتهم وقمعها، فاكتسبت فرادتها كمدينة منتجة للرؤى والأفكار والحداثة العربية، وامتدت ارتداداتها الثقافية خارج لبنان.
العلاقة الثقافية بين بغداد وبيروت تاريخ من التبادل والتأثير، فالعلاقة تتجاوز الحدود الجغرافية لتشكل نسيجاً ثقافياً غنياً ومتشابكاً. لطالما كانت هاتان المدينتان، اللتان تمثلان قلب العالم العربي، ملتقى للحضارات وتبادل الأفكار والمعارف.
تُعتبر بيروت “مطبعة العالم العربي الأولى”، حيث تتميز بجودة طباعتها التي تستطيع منافسة المطابع الأوروبية.
ومن المعروف أن أول مطبعة في منطقة الشرق الأوسط أُنشئت في دير قزحيا عام 1610 ميلادية، ولا تزال قائمة في الدير الواقع شمال لبنان.
العلاقة العميقة والمشتبكة للحياة الشعرية والثقافية بين البلدين علاقة طويلة الأمد، يعود تاريخ التأثير العراقي على الشعر اللبناني إلى منتصف القرن العشرين، حيث شهدت الحركة الشعرية العربية بشكل عام تحولات جذرية. فبرز في العراق مجموعة من الشعراء الرواد أمثال بدر شاكر السياب، ونزار قباني، وعبد الوهاب البياتي، الذين شكلوا مدرسة شعرية جديدة، تميزت بالجرأة في التعبير، والانفتاح على التجارب الشعرية العالمية، والاهتمام بالهموم الاجتماعية والسياسية.
انتقلت هذه الأفكار والأساليب الشعرية الجديدة إلى لبنان، حيث وجدت تربة خصبة لتستقر وتتطور. فاستقبل الشعراء اللبنانيون هذه الأفكار بترحاب، وبدأوا في تجريبها وتطويرها، مما أدى إلى نشوء جيل جديد من الشعراء اللبنانيين، الذين حملوا مشعل التجديد في الشعر اللبناني.
كتب الشعراء قسم كبير منهم، قصائد عن بيروت تلك المدينة الحاضنة للشعر والطاعنة فيه، ففي قصيدته “كيف تبني السفينة في غياب المصابيح والقمر” يصف مظفر النواب بيروت كمدينة “انها “صبغت وجهها بكل اللغات”.
في ديوانه “المسرح والمرايا” كتب ادونيس قصيدة تصور بيروت كما يراها
اللّيلُ، تحتَ نهدها/محدّبٌ غريبْ/عبّأ في كيسهِ
كِلابه الفضيّة النّائحهْ/والأنجمَ المطفأهْ/والشّارع امرأهْ تعضُّ كلّ عابرٍوالجَملُ النّائمُ حول صدرها يغنّي
للنّفط (كلّ عابرٍ يغنّي)
والشارع امرأهْ /تسقط في فراشها/الأيامُ والجرذانْ
ويسقط الإنسانْ”.
دائماً تجد بيروت حياة من ثقب موتها، فقد لا تجد في بيروت وقوداً لسيارتك او طعام على الرفوف ولكن ستجد دائماً هناك عرض مسرحي وامسية شعرية تقام.