
تبارك عبد المجيد
عدسة: محمود رؤوف
تتداخل الأصوات والنغمات في أروقة المعرض، خاصة مع الفترات الصباحية فتتحول المساحات إلى مشهد حي ينبض بالثقافة والفن. بين زوايا الكتب وجناح الفنون، تنساب ألحان الفرق الموسيقية لتغمر الزائرين في تجربة صوتية تتجاوز مجرد الاستماع، فتروي تاريخ المدينة وتراثها بطريقة عفوية ومباشرة.
تقول الزائرة لمى حسين: «المكان ينبض بالحياة، وكأن الموسيقى تعيد رسم هوية بغداد أمام عيني». على المنصة، يقدم الطالب محمد عدي من كلية الفنون الجميلة عروضه، حاملاً ذاكرة الموسيقى العراقية إلى الجمهور، فيتفاعل معها الحاضرون باندهاش وتقدير، لتصبح الموسيقى جسراً بين الماضي والحاضر.
ويضيف نحن لا نكتفي بتقديم عروض للمتعة، بل نفتح نافذة للجمهور على تاريخ موسيقانا وهويتنا الثقافية. تفاعل الحاضرين معنا يجعلنا ندرك أن الفن ليس مجرد ترف، بل قوة حيّة تشكل الوعي الثقافي والمجتمعي.»
ما شهدته القاعة لم يكن مجرد عرض فني مؤقت، بل تجربة ثقافية متكاملة، حيث تتلاقى الموسيقى والفنون البصرية والأدب في فضاء واحد، لتعيد إنتاج التراث بطريقة حية. في أجواء المعرض، غُنيت ألحان شعبية عراقية خالدة مثل «خذانا الواهس من بعيد» و»مر بيان عشك أخضر» و»كبر حبي ومله كلبي»، لتملأ المكان بالطاقة والتفاعل. لم يكن الحضور مستقبلاً سلبياً للمحتوى، بل شريكاً فاعلاً في صناعة الثقافة، متجاوباً مع كل نغمة وكلمة.
يشير الباحث في علم الثقافة والفنون، د. محي عباس، إلى أن «العروض الموسيقية في مثل هذه المنصات لا تقتصر على الطابع الجمالي، بل تمثل آلية رمزية لإعادة ربط الفرد بالموروث الثقافي. المعرض هنا يتحول إلى فضاء لإنتاج المعنى، لا مجرد استهلاكه. الجمهور يصبح مشاركاً في صناعة التجربة الثقافية، والفنانون يصبحون وسطاء بين التراث والجيل الجديد.»
بدوره، يرى الباحث والناقد سليم العزاوي أن «ما يميز هذه العروض هو قدرتها على خلق فضاء معرفي متعدد الأبعاد، حيث يتفاعل الحاضر مع الماضي، وتصبح الثقافة ممارسة اجتماعية متصلة بالمدينة والناس، لا مجرد نصوص معروضة على الرفوف.»
ولم تقتصر تجربة الزوار على المراقبة، إذ عبر أحمد جابر، الذي حضر مع عائلته، عن أثر الحدث عليه قائلاً: «الموسيقى أعادت لي الشعور بأن بغداد حية ثقافيا، وأن المعرض ليس مجرد كتب، بل تجربة متكاملة للهوية العراقية.»
