0%

المرأة في الشعر.. حضور ملهم يتجدد في فضاءات معرض الكتاب

نبأ مشرق
تعود بغداد من جديد لتضع الكتاب في قلب مشهدها العام، وهي تفتح أبواب معرض العراق الدولي للكتاب تحت عنوان «100 نون عراقية»، الحدث الذي بات بمثابة موسم سنوي تستعيد خلاله المدينة صورتها الثقافية وذاكرتها الحيّة بحضور عربي ودولي واسع، ليحوّل بغداد إلى ساحة مفتوحة للنقاش والقراءة والفنون، وإلى فضاء يذكّر بدور العراق التاريخي في صناعة الثقافة ونشر المعرفة.
ومنذ بدايات الشعر، ظلّت المرأة حضورًا لا يمكن تجاوزه؛ تُولد مرةً من الفقد، ومرةً تشعل شرارة الحب، وأخرى تتحوّل إلى رمز يلهم الشاعر ويمنحه لغته وجرأته. المرأة كانت الدافع الأول وراء كثير من النصوص التي صنعت ذاكرة الشعر العربي.
ويقول الشاعر أدهم عادل إن حضور المرأة في الشعر يبدأ غالبًا من الفقد قبل الحب، فالشاعر – برأيه – يحمل داخله شرارة أولى اسمها الحرمان: فقد الأم، الحبيبة، الأخت، أو أي امرأة شكّلت أول تماس عاطفي في حياته. ويشير إلى أن هذا الفقد قد يلازم الشاعر مدى العمر، مثل تجربة بدر شاكر السياب الذي ظل أثر فقد أمه حاضرًا في شعره حتى آخر أيامه. لذا يعتبر عادل أن «الفقد هو الجذر الأعمق للشعر»، وأن أجمل قصائد الحب الكبرى، من ليلى إلى عزّى، وُلدت أساسًا من غياب لا من وصال.
وفي حديثه عن الإلهام النسوي، يرى عادل أن تأثير المرأة يختلف باختلاف وعي الشاعر وتجربته. فهناك من جعل الكتابة انتقامًا من المرأة نتيجة خيبة أو طفولة معطوبة، مستشهدًا بشوبنهاور وغيرهم ممن كتبوا بردّة فعل منكسرة. وفي المقابل، هناك شعراء جعلوا المرأة «انتصارهم الوحيد»، مثل عمر بن أبي ربيعة ونزار قباني. ويذكّر بأن بعض الشعراء مجّدوا المرأة رغم عدم خوضهم تجربة حب واقعية، مثل أبي العلاء المعري الذي انتصر للمرأة في بعض نصوصه رغم عزلته الشهيرة.
أما عن تطوّر حضور المرأة في الشعر تاريخيًا، فيوضح عادل أن البداية كانت أسطورية؛ فالمرأة في الملاحم السومرية والبابلية والإغريقية والرومانية كانت رمزًا أكثر منها شخصًا حقيقيًا: من ملحمة جلجامش إلى الإلياذة والأوديسة والكوميديا الإلهية التي دُوّنت بفعل فقد دانتي لبياتريتشي. ومع تطور الشعر وانتقاله من الأسطورة إلى الذات، أصبحت المرأة حضورًا واقعيًا باسمها وملامحها: ليلى، ولادة، جوليا، مارشوري. وهكذا تغيّر وجه المرأة في الشعر مع تغيّر المجتمع واللغة والعادات، وانتقل من الرمز إلى الواقع، ومن الأسطورة إلى التجربة الشخصية.
ويقول الشاعر عمر السراي إن المرأة تُعدّ أحد أهم مصادر الكتابة الشعرية، فالشعراء – وهم ينشغلون بالقضايا الإنسانية الكبرى – يميلون إلى استحضار حضور المرأة بوصفها عنصرًا حضاريًا أساسيًا ومصدرًا من مصادر الحياة، لا مجرد عنصر للإلهام. ويؤكد السراي أن وجود المرأة في الشعر هو حضور عضوي متجذّر، لا يأتي كزينة لغوية أو انعكاس ظرف اجتماعي، بل بوصفه سمة مميزة من سمات التخييل والإبداع الشعري.
ويشير السراي إلى أن المرأة حضرت في أبرز الأغراض الشعرية عبر العصور: من الغزل والوصف إلى الشعر الحداثي، الذي قد يبتعد عن التصريح المباشر لكنه لا يتخلى عن المرأة بوصفها منبعًا ثريًا لكتابة الشاعر ورؤيته.
أما عن «الإلهام النسوي» في عيون الشاعر، فيرى السراي أنه يتبدّل بتبدّل التجربة؛ فالشاعر ابن مراحله، تتغيّر رؤيته بتغيّر حياته وما يمرّ به من قضايا ومواقف، ولذلك يختلف حضور المرأة من شاعر لآخر، ومن موقف لموقف، ومن شكل تعبيري لآخر. ويضيف أن الكتابة عن المرأة – وإن اتخذت في بعض الأحيان شكلًا رمزيًا – تبقى متصلة بحقيقة قائمة، فحتى حين تُستخدم المرأة كرمز، سواء أكان الرمز آلهة نسوية أو شخصية تاريخية، فإن هذا الاستخدام لا يلغي أن المرأة في القصيدة تعبّر عن موقف حقيقي تجاهها أو موقف تنطق به هي.

Scroll to Top