0%

المخرج خالد يوسف في بغداد: السينما والحرية وجهان لمعركة واحدة

زين يوسف

استضاف معرض العراق الدولي للكتاب المخرج المصري خالد يوسف في ندوة حوارية مميزة شهدت حضورًا جماهيريًا واسعًا. الحوار الذي أداره الإعلامي حسام الحاج تناول مسيرة يوسف السينمائية، عمله السياسي، وأفكاره حول قضايا الأمة العربية، ما جعل اللقاء حافلًا بالكثير من المحاور المهمة.

زيارات بغداد والتضامن مع العراق

في بداية حديثه، استرجع خالد يوسف زياراته السابقة إلى العراق أثناء الحصار الذي فرض على البلاد في تسعينيات القرن الماضي. قال يوسف: «لقد زرت بغداد مرتين في عامي 1997 و1998 أثناء الحصار. كانت زيارتي بمثابة موقف تضامني مع الشعب العراقي ضد المؤامرات التي أحيكت لتدمير مقدراته. أرى أن ما حدث في العراق كان بداية لمخطط أكبر استهدف البلدان العربية واحدة تلو الأخرى».

وأعرب يوسف عن شعوره العميق تجاه العراق، موضحًا أن زيارته في تلك الفترة كانت للتأكيد على أن الشعب العربي واحد، بغض النظر عن الحدود السياسية، وأن المصير المشترك يفرض التضامن بين الشعوب في مواجهة التحديات.

السينما كأداة للنقد والتغيير

في حديثه عن دور السينما في التأثير المجتمعي، تطرق خالد يوسف إلى فيلمه الأول “العاصفة”، الذي يعتبر محطة بارزة في مسيرته الفنية. أوضح قائلاً: «فيلم “العاصفة” يتناول حرب الخليج عام 1991، وهو عمل أعتز به كثيرًا. صاحب الفضل الأول على هذا الفيلم كان المخرج الكبير يوسف شاهين، الذي علّمني كيف يمكن للسينما أن تكون وسيلة للتعبير عن الواقع ومساءلته. الفيلم يعرض قصة شقيقين مصريين، أحدهما يقاتل مع جيش العراق، والآخر مع القوات المصرية التي شاركت في تحرير الكويت. من خلال هذا العمل، أردت تسليط الضوء على التعقيدات التي فرضتها تلك الحرب على مجتمعاتنا».

وأكد يوسف أن السينما ليست مجرد ترفيه أو فن من أجل الفن، بل هي وسيلة لطرح الأسئلة الكبيرة التي تواجه المجتمع. قال: «في مجتمعاتنا المثقلة بالمشاكل، من المستحيل أن يكون الفن مجرد تسلية. على السينما أن تحاكي الواقع، تنقل وجع الناس، وتطرح أسئلة كاشفة تدفع المجتمع للتفكير والبحث عن الحلول. ومع ذلك، لا يقع على عاتق الفن تقديم الحلول، لأن ذلك ليس من وظيفته».

وأضاف: «أنا كفنان أرى أن الفن لا يعيش إلا في أجواء من الحرية. عندما تتاح مساحات أكبر من الحرية، تزدهر الفنون وتخرج أفضل ما في المجتمع من طاقات إبداعية».

تحديات الرقابة والإبداع

وفيما يتعلق بالتحديات التي واجهها خلال مسيرته الفنية، أشار خالد يوسف إلى الصعوبات الكبيرة التي اعترضت طريقه في ظل القيود الرقابية المفروضة على الأفلام في العالم العربي. قال: «90% من أفلامي لم تُجز من الرقابة بسهولة. باستثناء فيلم أو اثنين، كانت كل أفلامي تخضع لرقابة مشددة من جهات متعددة، منها المخابرات العامة والمخابرات الحربية وجهاز أمن الدولة والبحوث العسكرية. كنت أضطر للمرور بكل هذه الجهات للحصول على تصريح لعرض الفيلم».

وأوضح يوسف أن هذه الرقابة كانت تتم في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حيث كان من الضروري التعامل مع عدة جهات أمنية لإجازة أي عمل سينمائي. وأضاف: «هذا النوع من الرقابة يعيق الإبداع ويجعل الفنانين يفكرون ألف مرة قبل تقديم أي عمل، ما يحد من حرية التعبير ويجعل الفن رهينًا للسلطات».

الحرية والعمل السياسي

عن انتقاله إلى العمل السياسي، قال خالد يوسف إن الهدف كان تصدير رؤية المعارضة والمساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية. أضاف: «كنت جزءًا من تكتل سياسي يضم 15 شخصًا، وما زلت فخورًا بما قمنا به. دافعنا عن قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وهي القيم ذاتها التي خرج من أجلها الشعب المصري في ثورة يناير».

وأكد يوسف أن مقولة «الشعوب ليست جاهزة للديمقراطية» التي تروج لها بعض الأنظمة العربية مجرد ذريعة واهية لتبرير استمرارها في السلطة. قال: «الديمقراطية تأتي بالممارسة، ولا يوجد شعب يولد جاهزًا لها. هذه الفكرة تسعى إلى إبقاء المجتمعات في حالة من الجمود ومنعها من المطالبة بحقوقها».

الربيع العربي: آمال وخيبات

تحدث خالد يوسف عن الربيع العربي، واصفًا إياه بأنه مرحلة مهمة لكنها انتهت بمآلات كارثية. قال: «الربيع العربي كان تعبيرًا صادقًا عن تطلعات الشعوب للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لكنه واجه قوى أكبر منه عملت على إجهاضه. لا يمكننا أن نتخلى عن تلك الثورات، بل علينا أن نستفيد من تجاربها وننقلها للأجيال القادمة».

وأشار يوسف إلى أن هناك قوى دولية وإقليمية تآمرت على الربيع العربي، بالإضافة إلى المشكلات الذاتية التي أسهمت في فشل تحقيق أهداف تلك الثورات.

القضية الفلسطينية والمقاومة

حول موقفه من القضية الفلسطينية، قال خالد يوسف: «قضية فلسطين ليست قضية دينية، بل قضية أرض عربية يجب استعادتها. أنا دائمًا ضد التفسيرات الدينية للصراع وضد التيارات التي تستخدم الدين كذريعة لتحقيق أهداف سياسية. مع ذلك، لا يمكن لأحد أن يزايد على الدماء التي سالت دفاعًا عن فلسطين».

وتابع قائلاً: «بكيت عند سماع خبر اغتيال السيد حسن نصر الله ويحيى السنوار، لأنهما قدما الكثير للقضية الفلسطينية. رغم اختلافي مع بعض التيارات سياسيًا، إلا أنني أدعم أي عمل مقاوم من أجل فلسطين، لأن هذه القضية هي جوهر نضالنا».

رسالة أمل

اختتم خالد يوسف حديثه بتأكيد إيمانه بأن النصر لفلسطين آتٍ لا محالة، قائلاً: «النصر لهذه البلاد، والنصر للمقاومة، والنصر لفلسطين. يوم التحرير سيأتي ولو بعد حين».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top