0%

الكتب تتنفس في الأيادي… الكاتب والقارئ يلتقيان على طاولات التواقيع

عبود فؤاد
عدسة: محمود رؤوف
في اليوم السابع من معرض العراق الدولي للكتاب، بدا المشهد كما لو أنّه يوم مُكرّس للسرد والحكاية واستعادة التاريخ الشخصي والجمعي عبر النصوص الموقّعة. طاولات التواقيع تحوّلت إلى منصّات حوار مفتوح بين القارئ والكاتب، والكتاب خرج من الغلاف إلى الحياة، تلمسه الأيدي وتعيد تداوله كحكاية جديدة تولد كلّما انتقلت نسخة إلى قارئ جديد.
في جناح دار المدى كان الروائي علي بدر محاطًا بجمهوره وهو يوقّع روايته «المستشرقة الألمانية والعطّار النيسابوري». رواية كُتبت بصوت المستشرقة الألمانية آنماري شمل التي تتبع خيطًا خافتًا يقودها إلى مخطوطة مجهولة من «منطق الطير» للعطار، فتبدأ رحلة تمتدّ من معسكر ألماني مهجور عام 1946 إلى نيسابور وطهران وبغداد وإسطنبول. ليست الرواية بحثًا في المخطوط وحده، بل بحثًا في أثر الشرق في المخيلة الغربية، وفي المثقفين الذين عاشوا على حافة التحولات والانقلابات. كتاب غارق في التاريخ، لكنه ينبض بالحياة في الأسواق، والمقاهي، والوجوه، والكتب.
ومن السرد التاريخي إلى السيرة المدوّنة بالألم، شهد جناح دار أبكالو توقيع كتاب «عيني شاهدة» للدكتورة حميدة القحطاني، نصٌّ يكتب أدب السجون من قلب التجربة، لا من بعيد. الكتاب شهادة على زمن الخوف والظلم في جنوب العراق خلال حقبة النظام السابق. سيرة تضع القارئ داخل الزنزانة، وتخرجه منها أكثر وعيًا بما تعنيه الحرية حين تُنتزع لا حين تُمنح.
وفي جناح الاتحاد العام للأدباء والكتّاب حضر الشعر بقوة مع توقيع الشاعر طالب عبد العزيز ديوانه «بعضه في الريح كثير منه في القصب». لغة يومية تتنقّل بين الحرب والحب، بين الذاكرة والغياب، وتُعيد الزمن كمشهد متحرّك داخل القصيدة. النصوص تلتقط هشاشة الإنسان أمام الغموض، وتكتب صبر الانتظار كخيط مشدود على نهر الحياة. شاعرية تُزاوج بين الرمزية والواقعية.
وعلى الطاولة ذاتها وقّع الهادر المعموري ترجمته لكتاب «كان يا ما كان في بغداد» لـ مارغو كيرتيكار، الذي يوثّق بغداد في منتصف القرن العشرين بعيون امرأة تُحاول حفظ ما يتسرب من الذاكرة. كتاب يحمل روح الحكاية، كأنه يفتح أبواب المدينة القديمة بعبارة كان يا ما كان. ترجمة تُعيد الماضي للقارئ المعاصر.
أما في دار توليب فقد وقّع الروائي حاضر حسن هيتا روايته «الموت وقوفًا»، عمل سردي يفكك علاقة الإنسان بالفناء والقدرة على مواجهة المصير. رواية تقف على الحد الحادّ بين الحياة والعدم، تكتب الموت لا بوصفه نهاية، بل بوصفه لحظة يقف فيها الإنسان أخيرًا بكامل وعيه.

Scroll to Top