زين يوسف
تصوير محمود رؤوف
لتسليط الضوء على جميع نتاجات الروائي غائب طعمة فرمان اقيمت على ارض معرض العراق الدولي للكتاب ندوة بعنوان “غائب والترجمة”، شارك فيها الدكتور جبار هاشم والدكتور باسم صالح وأدارها الدكتور هيثم الجبوري.
هاشم تحدث في بداية الندوة عن عدم انتشار غائب طعمة فرمان عالميا قائلا “انه مازال مجهولا على المستوى العالمي رغم أن هناك قناعات نقدية وأدبية أن الاعمال الادبية لغائب تضاهي روايات نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف والطيب صالح والكثير من عمالقة الرواية العربية، في الحقيقة الاسباب كثيرة جدا وهذا مؤسف بالنسبة لكاتب عراقي ربما يكون مجهولا حتى بالنسبة للقارئ العراقي، فبعض الاسباب شخصية تخص الكاتب غائب نفسه، واستطيع ان اقول من خلال قراءات عديدة ان غائب لم يكن يبحث عن شهرة على مستوى الذات وانا شخصيا اسميه كاتب الصف الاخير، دائما يبحث ان يكون في الصف الاخير، لم يبحث عن شهرة ولم يبحث عن اية فرصة لتسليط الضوء اضافة الى معاناته الكبيرة”.
وأضاف “لو نظرنا نظرة سريعة على رواياته تراها رواية عقود الاربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وكان الرجل تائها بين الوطن والغربة ومعظم اعماله كتبت في الغربة وايضا كان الفقر المادي واحدا من الجوانب الاساسية، التقط تعبيرا لاحد اصدقائه المقربين والذي عاش مع غائب قرابة عشرين عاما في موسكو مترجما وهو الدكتور يوسف ابو بكر، وهو احد المقربين جدا وله عبارة تلخص الكثير للمتلقي يقول عن غائب انك تجد في غائب حلاوة التمر العراقي وحزن النخيل، هذه العبارة تلخص غائب الشخص وغائب الروائي، في حياته كان شخصية خجولة وقليل الاختلاط، ولكن كان محبوبا جدا يتميز بابتسامة وطيبة يضرب بها المثل، على المستوى الآخر حزن النخيل كان في داخله.. حزن غريب والذي يمثل الحزن لغائب هو الوطن وتحديدا بغداد بشوارعها وأزقتها وناسها”.
وعن سوء علاقة غائب طعمة فرمان بالسلطة وهل له علاقة بعدم انتشاره عالميا تحدث باسم صالح قائلا “حقيقة علاقة فرمان بالسلطة هي علاقة سيئة، كما تعلمون، ان الرجل يساري وهو متمرد وغير مرحب به وقد سحبت منه الجنسية العراقية أيام نوري السعيد، هذا الامر جعله أولا يغترب ويعيش اكثر من ثلاثين سنة في الاتحاد السوفييتي السابق ومن المفارقة ان وفاته صادفت مع انهيار الاتحاد السوفييتي، فهو عاش الفترة الذهبية للاتحاد السوفييتي من الستينيات الى انهياره، وعلاقته السيئة بالسلطة المحلية جعلته يتجه الى الغربة واضطر ان يعمل مترجما كعمل رسمي وكان يكلف بكتب لا علاقة لها بالادب فهو ترجم لمشاهير الادب الروسي بوشكين وتولستوي وتشيخوف واسماء كثيرة في الادب الكلاسيكي الروسي، لكن في الوقت نفسه ترجم كتبا لا علاقة لها بالادب، ترجم عن محطة الكهرباء مثلا، ايضا ترجم جولة في الاتحاد السوفيتي وعلم الفلك والكتب المصورة وسلسلة كتب اطفال.
وأشار الى ان “هذا الامر اثر عليه تأثيرا كبيرا في قلة نتاجه الادبي، هو لديه مجموعتان قصصيتان و ثماني روايات فقط، لو كانت هناك مؤسسة ترعاه لكان من أهم الادباء في الادب العربي، والسبب الآخر هو اختيار غائب للهجة المحلية في الحوارات تحديدا في رواياته جعلت المتلقي العربي يحتار في معاني هذه المفردات، فضلا عن المترجم، فالمترجم يتجنب مثل هذه اللغة الصعبة، على سبيل المثال في رواية النخلة والجيران ، “القرج” خاتونة المحلة فمن يعرف معنى “القرج”؟، هذه لغة فئة اجتماعية وتصوير حي للغة المجتمع”.
وعن الاسباب التي منعت تقديم غائب طعمة فرمان للغات الاخرى بعد كل هذه السنين تحدث د.جبار هاشم قائلا “اعتقد ان في هذا الامر قصورا ثقافيا عاما وقصورا اكاديميا، وانا اعتقد ان معظم الكتاب الذين انتشروا عالميا بدأوا من المؤسسة الاكاديمية، فهناك أطاريح في الماجستير والدكتوراه وايضا لا بأس ان تقام ندوات في اللغة الانكليزية او باللغة الفرنسية حتى تصل الى الآخرين، نحن ايضا لدينا جمود في المناهج، المناهج تبقى ولا يفكر احد في تغيير المنهج، أنا شخصيا درّست طلاب الدكتوراه وادخلت مادة الادب العالمي وادخلنا في المنهج كتّابا غير الانكليز، كتاب صينيون وكوريون، ولا بأس ان نقدم مثلما حدث مع غسان كنفاني وغادة السمان الذين وصلا سريعا، وحتى نجيب محفوظ وهو كان قريبا من غائب طعمة فرمان ولكنه وصل اسرع في حين عبد الرحمن منيف زاوج بين الفصحى والعامية واكرر ان اللغة الدارجة هي احد الاسباب وضعف المؤسسة الاكاديمية”.
وبالعودة الى د. باسم صالح تحدث عن مدى تأثر غائب طعمة فرمان ابداعيا بتجربة المنفى قائلا “يقر فرمان بتأثره ببوشكن وتولستوي وحتى بنجيب محفوظ، لكن يبدو لي أنه ظلم نفسه في هذه المسألة، فهو ابن البيئة العراقية وابن تاريخ السرد العراقي، لديه طابع محلي بحت ولا تشعر انه اغترب يوما واحدا، فالرواية هي فن غربي بكل تفاصيلها لكن المحمولات الثقافية والاجتماعية والنفسية والسياسية محلية صرفة، لا تشعر انه تأثر ببوشكين او تولستوي، بل له محلية مثل محلية نجيب محفوظ التي أطلقته الى العالمية، لكن مشكلة فرمان انه في مجتمع لا يستطيع ان يرفع المثقف الى العالمية، بالاضافة الى ان الاسباب كثيرة واهمها السياسية وضعف الادارة وقلة الوعي، عندما تظهر شخصية استثنائية مثل فرمان لا يمكن احتضانها ورفعها وايصالها الى العالمية”..