0%

الإيزيديون والمندائيون والسريان… حضور يبدّد وهم «الأقليات» في معرض الكتاب

عبود فؤاد
شهد معرض الكتاب هذا العام حضورًا لافتًا لسلسلة من الكتب التي تناولت الجماعات الدينية والعرقية في العراق والمنطقة، لكن اللافت لم يكن في تنوّع هذه الكتب فحسب، بل في المكانة التي شغلتها داخل المعرض؛ مكانة جعلت مفهوم «الأقليات» يتراجع أمام رؤية جديدة ترى هذه الجماعات بوصفها مكونات أصيلة لا يمكن اختزالها في الهامش أو التعامل معها كملاحق ثقافية فالمعرض بدا هذه المرة فضاءً مفتوحًا لاستعادة السرديات التي تعرّضت للتهميش، ولإظهار أن معرفة التاريخ لا تكتمل إلا بتعدد وجوهه.
من بين أبرز الأعمال التي شكّلت هذا الحضور كتاب «داعش: الإبادة الجماعية للإيزيديين» للباحث حسو هورمي، الصادر عن دار تموز ديموزي. يقدم الكتاب توثيقًا دقيقًا لما تعرض له الإيزيديون في شنكال عام 2014، مستندًا إلى شهادات وتقارير وآثار باقية على الأرض.
وفي السياق نفسه، قدّم تيسير خلف عبر كتابه «الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية» الصادر عن دار تكوين قراءة مختلفة للقرن السابع الميلادي، من خلال إبراز المصادر السريانية التي ظلت طويلة محجوبة عن المكتبة العربية. إذ اعتمد المؤرخون السريان، بوصفهم شهود عيان على الفتوحات، على تدوين مباشر يسدّ الثغرات التي تركتها الروايات العربية التي وُضعت بعد قرنين من الأحداث.
أما خزعل الماجدي فقدّم عبر كتاب «أصول الناصورائية المندائية في أريدو وسومر» قراءة بحثية تكسر كثيرًا من الالتباسات حول المندائيين والصابئة والناصورائيين، مسترجعًا العلاقة العميقة بين هذه الجماعات وبيئة وادي الرافدين الأولى. ويؤكد المؤلف، عبر مقارنات واسعة بين المندائية والديانة السومرية، أن العراق كان الحاضنة الأصلية لهذا التراث الديني، وأن الحديث عن المندائيين كجماعة «وافدة» يناقض الشواهد النصية والأثرية.
ومن زاوية سياسية فكرية، يطرح سعد سلوم في كتابه «الوحدة في التنوع» ، الصادر عن دار مسارات والمعروض في جناح دار الرافدين، مقاربة جديدة لفكرة التعددية في العراق. فالخطر الأكبر، بحسب سلوم، ليس في وجود التنوع بل في فقدانه، إذ إن الهجرة والاستقطاب الطائفي يهددان بتجريد الهوية العراقية من مكوناتها الأصيلة. ويؤكد الكتاب أن بقاء الإيزيديين والمسيحيين والمندائيين والشبك والكاكائيين وغيرهم في مناطقهم يمثل صمام أمان أمام أي مشروع تقسيمي يُنتج كيانات صافية الهوية.
ويتعزز حضور المندائيين في المعرض من خلال كتاب «الصابئة المندائيون» للدكتور سعد مغشغش، الذي يقدّم عرضًا شاملًا للديانة المندائية ومعتقداتها ولغتها وطقوسها وكتبها المقدسة. أهمية الكتاب تنبع من كونه صادرًا عن أحد أبناء الديانة نفسه، ما يمنحه موثوقية عالية في تقديم صورة دقيقة غير محمّلة بتصورات خارجية.
بهذه العناوين وغيرها بدا المعرض وكأنه يعيد ترتيب المشهد الثقافي للمنطقة، حيث تحضر المرويات الإيزيدية والسريانية والمندائية والمسيحية لا كأصوات هامشية، بل كأركان رئيسية في هوية المكان. فالمعرض الذي جمع هذه النصوص تحت سقف واحد أعلن بطريقة غير مباشرة أن مفهوم «الأقليات» ليس سوى توصيف إداري أو سياسي، بينما في الواقع التاريخي والثقافي لا أقليات هنا بل شركاء في الذاكرة، وصنّاع في الحكاية الكبرى .

Scroll to Top