0%

الأعمدة اليونانية: من معابد بعلبك إلى مسرح معرض الكتاب في بغداد!

تبارك عبد المجيد

وسط أجواء معرض العراق الدولي للكتاب، ارتفع مسرح معرض العراق الدولي للكتاب عاكسا شعار “من قلبي حروف لبيروت”، بتصميم يجمع بين ملامح التراث البعلبكي وأبعاد التضامن الثقافي بين العراق ولبنان. أعمدة شاهقة استُلهمت من معابد بعلبك التاريخية وقفت كرمز للأصالة والحضارة، في مشهد يروي حكاية مشتركة عن الإرث الثقافي العريق الذي يتجاوز الحدود ويؤكد على قوة الفن والمعرفة في جمع الشعوب.

المسرح كان شاهداً على لحظات ثقافية منوعة. من أمام أعمدته، تلا الشعراء والكتاب كلماتهم، وغنى الفنانون العراقيون واللبنانيون أغاني تعبّر عن الوحدة والارتباط الثقافي العميق بين البلدين، فيما قدمت المسرحيات. من خلال هذا المسرح، تواصل الأدباء والسياسيون والنساء، ناقشوا قضايا المجتمع وتبادلوا الأفكار حول المستقبل، مؤكّدين على أهمية الثقافة في تعزيز التضامن بين العراق ولبنان.

لم يكن المسرح مجرد تصميم، بل هو رمز يعكس روح التضامن الثقافي بين بغداد وبيروت. الأعمدة الشاهقة، التي طالما حملت الإرث البعلبكي، أصبحت اليوم شاهداً على إصرار الشعوب على التواصل، وعلى دور الثقافة في مد الجسور بين الأمم.

تاريخها!

تعتبر الأعمدة اليونانية في بعلبك تُعتبر من أعظم الإنجازات المعمارية في العالم القديم، وهي تجسد مدى عظمة الفن والهندسة في ذلك العصر. تتميز هذه الأعمدة بضخامة هائلة، حيث يبلغ ارتفاع كل عمود منها نحو 22 متراً ويزن حوالي 800 طن. تم بناؤها من الحجر الجيري المصقول بدقة، وتُبرز مدى المهارة في النحت والبناء في العالم القديم.

تلك الأعمدة تنتمي إلى معبد جوبيتر، الذي يعتبر واحداً من أكبر وأهم المعابد الرومانية في الإمبراطورية الرومانية. بني المعبد في أواخر القرن الأول الميلادي، ويُعتقد أنه كان مخصصاً لعبادة الإله جوبيتر، كرمز للسلطة والقوة. الأعمدة اليونانية في بعلبك ترتكز على قاعدة مربعة وتُزين بنقوش غائرة تتضمن رموزاً دينية وإلهية.

ما يُميز هذه الأعمدة هو تصميمها المتقن، حيث تُظهر أشكالاً زخرفية هندسية ورسوم لفينيقيين ورومان، مما يعكس التأثيرات الثقافية المتعددة التي أثرت على المنطقة عبر العصور. الجدران المحيطة بالأعمدة مزينة بلوحات فنية تصور مشاهد من الأساطير والعبادات القديمة، ما يجسد الطابع الثقافي والديني المتنوع لبعلبك.

الأعمدة لا تقتصر فقط على الجمال الخارجي، بل تُظهر أيضاً العمق الروحي للعبادة في العصور القديمة، حيث كانت تُستخدم كمحور لتجمعات دينية ضخمة. يُعتقد أن الموقع كان مركزاً لعبادة الآلهة، حيث كان يعج بالحجاج والزوّار الذين جاؤوا لأداء الطقوس الدينية.

في الوقت الحاضر، تعتبر الأعمدة اليونانية في بعلبك رمزاً للهوية الثقافية للبنان، وتمثل شاهداً على التبادل الثقافي بين الإمبراطوريات القديمة من الفينيقيين والرومان واليونان. من خلال استلهام تصميم المسرح من هذه الأعمدة، يُعبّر العراق عن تضامنه مع لبنان، ويربط بين ثقافة بعلبك العريقة وروح بغداد العريقة، مؤكداً على قوة الثقافة في توحيد الشعوب وتجاوز الحدود الزمنية والمكانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top